مأزق "المجلس الانتقالي" بعد اتفاق الرياض: خسارة القوة والشارع؟
بدأت تداعيات اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات، تلقي بتأثيراتها على المجلس الذي أصبح في موقف محرج، عقب تجريده من قوته الميدانية، وتخليه عن كثير من الشعارات التي كان يعد بها أنصاره في جنوب اليمن، مقابل مناصب في حكومة الشرعية، ما دفع مناصريه إلى طرح تساؤلات عمّا جاء في الاتفاق من مصطلحات منافية تماماً لما كان "الانتقالي" يقوله لهم. ومن هذه المصطلحات، رفض الوحدة ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، فضلاً عن أن "الشرعية إرهابية وإخوانية"، إضافة إلى حديثه عن إقامة دولة جنوبية وإعلان الانفصال وغيرها. لكن اتفاق الرياض جاء لينهي هذه الشعارات، ما أدى إلى تأثير كبير على "الانتقالي"، خصوصاً أن هناك حراكاً في أكثر من منطقة يرفض أي دور للمجلس في بعض المحافظات.
أول تأثيرات الاتفاق على "الانتقالي"، تجريده من قوته المسلحة التي كانت تصل إلى مائة ألف جندي، كانت ضمن ما تسمى "قوات الدعم والإسناد" و"الحزام الأمني"، و"النُّخب" أو "ألوية الصاعقة" وغيرها من المعسكرات، التي جاء اتفاق الرياض ليسحبها من قيادة "الانتقالي" إلى وزارتي الدفاع والداخلية التابعتين للشرعية، وهما من الوزارات المرتبطة بالرئيس عبد ربه منصور هادي.
كذلك أنهى اتفاق الرياض حلم "المجلس الانتقالي" في إدارة الجنوب، وحتى أنهى حكمه على إقليم عدن. وجاء الاتفاق أيضاً ليساوي بين المجلس والمكوّنات الجنوبية الأخرى، وأسقط محاولات الإمارات لفرض أتباعها كممثلين وحيدين للجنوب والقضية الجنوبية، فضلاً عن أنه أنهى ما كان يحاول "الانتقالي" فرضه من خلال دولة موازية، ورئيسها عيدروس الزبيدي.
إلى جانب ذلك، بعد أن قاد "الانتقالي" محاولات انقلاب عدة ضدّ الشرعية، متهماً إياها بأنها تدعم الإرهاب وتحتضن حزب "الإصلاح"، جاء الاتفاق لينافي كل ذلك ويجبر المجلس على أن يكون ضمن الشرعية التي يأتي في إطارها حزب "الإصلاح"، فضلاً عن إجبار المجلس على إعلان موافقته على وحدة اليمن والدولة الاتحادية، من خلال التزام مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن الدولي 2216، إضافة إلى مخرجات مؤتمر الرياض الذي عُقد بداية الحرب عام 2015، التي أكدت كلها وحدة اليمن وسلامة أراضيه واستقرارها.
كل ذلك التناقض فرض تساؤلات جوهرية لدى أنصار "الانتقالي"، يحاول قادة الأخير تخفيف أثرها وحدّة تأثير هذا الاتفاق بشعبيتهم. لذلك، صدرت تصريحات عديدة لقيادات في المجلس، بعضها للتبرير وأخرى للنفي، آخرها تصريح نائب رئيس الدائرة الإعلامية منصور صالح، في منشور له في صفحته في "فيسبوك"، معلقاً على تساؤلات أنصار "الانتقالي" على بعض النقاط بالقول: "من الإشارات المهمة التي ينبغي تأكيدها، تلبية لاستفسارات عديدة في ما يتعلق باتفاق الرياض، الآتي: أهداف المجلس الاستراتيجية ثابتة ولا تراجع عنها، بل إنه قطع شوطاً مهماً للغاية في سبيل الوصول إليها". وأكد أنّ "أي حديث عن مخرجات الحوار في إطار التزامات الطرفين في الاتفاق كذبة لا معنى لها، فقد رفض المجلس ذلك، وأيده التحالف، الذي فضل ذكرها فقط على لسانه باعتبارها ديباجة شكلية غير ملزمة لأحد"، مضيفاً: "سيعود الرئيس هادي وتلحق به الحكومة الجديدة ولن يسمح بعودة علي محسن الأحمر (في إشارة إلى نائب الرئيس)، وكذلك رُفضت مطالب عودة البرلمان، على الرغم من طلب الشرعية عودته لمرة واحدة لمنح الحكومة الجديدة الثقة".
وتابع صالح أنّ "العلم الجنوبي الذي سالت في سبيله دماء آلاف الشهداء الجنوبيين، خط أحمر ولن يمسّ، وله قيمته واحترامه من الجميع، بمن فيهم المحسوبون على الشرعية، بينما القوات الشمالية ستنسحب من أراضي الجنوب كافة، بداية من شبوة وأبين، ثمّ خلال ستين يوماً من وادي حضرموت والمهرة"، مؤكداً أنّ "الجنوبيين اليوم رقم صعب جداً في المعادلة السياسية الحالية والمقبلة، والعلاقة مع الأشقاء في التحالف بقيادة مملكة الحزم قوية وواضحة، ومستقبلها مبشر بخير كثير، والمطلوب من الجنوبيين فقط اليقين بأنهم وضعوا قضيتهم في مسارها الصحيح وعليهم التفرغ لمهام البناء المؤسسي وتعزيز وتحصين الجبهة ووحدة الصف". وأكد أيضاً أن "لا قلق بالمطلق على مستقبل قواتنا وأجهزتنا الأمنية، بل إنها ستشهد عملية تنظيم وإعادة بناء بما يكفل حقوق منتسبيها"، مشيراً إلى أنّ "كل ما يكتب ويقال هدفه الإحباط والتقليل من قيمة ما تحقق، ولا ينبغي الالتفات إليه". واختتم كلامه بالقول إنّ "اللقاء بالرئيس هادي كان مثمراً وإيجابياً جداً جداً".
"
مصادر: الاتفاق ملزم للجميع بكل بنوده، والسعودية هي المسؤولة عن الإشراف عليه والضامن لذلك
"
في المقابل، علّق مصدر في مؤتمر حضرموت الجامع وآخر في الشرعية على هذه التبريرات من قادة "الانتقالي" بالقول: "ليس من الجيد أن يتحدث قادة الانتقالي بكلام كهذا ويتجاوزوا ما اتُّفق عليه في الرياض، وفي مقدمته الخطاب الإعلامي". وعن ادعاء أن هناك ما هو ليس ملزماً في الاتفاق، أكد المصدران لـ"العربي الجديد" أنّ "الاتفاق ملزم للجميع بكل بنوده، ولا يوجد فيه ما هو ملزم وما ليس ملزماً، والسعودية هي المسؤولة عن الإشراف عليه والضامن لذلك".
ومنذ توقيع الاتفاق الثلاثاء الماضي، تتواصل تداعياته، وأبرزها عقد لقاءات حضرمية واجتماعات لقيادات المهرة وسقطرى ومكوناتهما، أكدت كلها أنه لا يحق لأحد أن يحكم محافظاتهم وأقاليمهم إلا أبناءها، في إشارة إلى رفض أي محاولات لإعطاء أي دور لأتباع الإمارات في مناطقهم، بل يسعون ليكون الأمر فيها كحال أبين وشبوة التي فرض مواطنوها وقواها الاجتماعية والسياسية والعسكرية والقبلية واقعاً رافضاً للإمارات ووكلائها. لكن الأكثر أهمية، هو الحراك العدني الذي بدأ يتصاعد، مع مطالبة أهالي العاصمة المؤقتة بأن يحكموا مدينتهم بأنفسهم، رافضين بأي شكل أن يحكمهم أحد من خارج المدينة وتحت أي ظرف، في إشارة إلى "المجلس الانتقالي" الذي همّش أبناء عدن وأقصاهم عن كل شيء، واعتمد على أبناء الضالع ورافع في حكم المدينة. لذلك، فقد أطلق الأهالي شعار "عدن للعدنيين"، وبدأوا حراكاً في هذا الإطار ستكون له تداعياته على مستقبل "الانتقالي".
العربي الجديد