الرئيسية - أخبار محلية - كهرباء اليمن... فساد صاعق في مناطق الحكومة والحوثيين

كهرباء اليمن... فساد صاعق في مناطق الحكومة والحوثيين

الساعة 08:25 مساءً (المهرة أونلاين / العربي الجديد)

تفاجأ المواطنون في صنعاء وعدة مدن خاضعة لسيطرة الحوثيين، برفع شركات توليد الطاقة أسعار الكهرباء بنسبة تصل إلى 20 في المائة، الأمر الذي يضاعف من معاناة السكان، الذين يواجهون ظروفاً معيشية صعبة، في ظل الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات.

ورفعت الشركات تعريفة الكيلو واط الواحد من 250 ريالاً إلى 300 ريال (0.5 دولار)، فيما تُعَدّ الكهرباء إحدى أهم الأزمات التي يواجهها المواطن منذ بداية الحرب، وتأتي ضمن سلسلة من الأزمات ألحقت أضراراً بالغة بالحياة المعيشية للسكان، مع تضرر أغلب الأنشطة والمشاريع.

وخلقت الحرب سوقاً رائجة في الطاقة الكهرباء، إذ كونت فئات تجارية جديدة تستثمر في الطاقة الكهربائية في صنعاء ومناطق أخرى تخضع لسيطرة الحوثيين، وطبقة تجارية مقابلة يديرها ويشرف عليها التحالف العربي في عدن ومحافظات جنوب اليمن.

ويشكو مواطنون وملّاك المحال التجارية والمعامل والمشاغل المهنية في كافة المناطق اليمنية بمرارة من المعاناة اليومية في تلبية الاحتياجات الأساسية للحياة المعيشية وتوفير متطلبات استمرار أعمالهم، مثل البنزين والديزل وزيادة الإنفاق على العديد من المتطلبات الضرورية، كتوفير المياه، والأهم شراء وسائل الإضاءة البديلة، إذ تتجسد المعاناة بشكل أكبر في توفير الطاقة الكهربائية.


المواطن يوسف علي "مشترك في الكهرباء التجارية"، يقول: "أدفع شهرياً نحو 10 اَلاف ريال (18.1 دولاراً) لتسديد فاتورة الكهرباء التي تشكل عبئاً كبيراً، بينما راتبي متوقف منذ ثلاثة أعوام، الأمر الذي اضطرني إلى العمل في البناء لتوفير ما تيسّر من تكاليف الحياة المعيشية والخدمات العامة، مثل إيجار المنزل والكهرباء والماء".

ويضيف لـ "العربي الجديد" أن اشتراكه في الكهرباء الخاصة كان اضطراراً بعد توقف الكهرباء الحكومية العامة التي كان يعتمد عليها أغلب السكان في صنعاء وعموم المناطق اليمنية، وكانت لا تكلفه - كما يقول - أكثر من ألفي ريال شهرياً.

 

من جانبه، يقول توفيق الدميني، الذي يعمل في مشغل للخياطة لـ "العربي الجديد": "أعمل في مهنة تتطلب التزام العمل والإنتاج لكي أحصل على قوت يومي، لأنه عندما أتعرقل أو أنشغل طوال الوقت بالبحث عن كهرباء وإضاءة وبترول لتشغيل المولد الكهربائي، يتراجع إنتاجي، ولا أحصل على الدخل المناسب الذي يجعلني أعيل أسرة مكونة من ثمانية أفراد".

ويشير إلى أنه أصبح في الفترة الأخيرة مثل الكثيرين، يعتمد على الكهرباء التجارية، لافتاً إلى أنه رغم أن هذه الكهرباء حلت جزءاً كبيراً من المشكلة، إلا أن تكاليفها تبقى باهظة على الأعمال المهنية والخدمية التي تقاوم بكل الوسائل للبقاء، بسبب ما ألحقته الحرب ومخلفاتها من أضرار أدت في جانب منها إلى توقف العديد من الأعمال الاستثمارية والتجارية والمهنية.


وتوقفت الكهرباء العامة في عموم المناطق اليمنية عقب اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015، حيث كان أغلب السكان يعتمدون على الكهرباء الحكومية.

وبعد الاعتماد لفترة على الألواح الشمسية التي لم تلبِّ احتياجات الناس في توليد الكهرباء لمحدوديتها وعدم قدرتها على تشغيل الآلات الثقيلة، ظهرت فكرة الكهرباء التجارية التابعة لشركات توليد تجارية، الأمر الذي أدى إلى انتشار سوق سوداء خاصة بالتيار الكهربائي.


وبينما تتعرض سلطات الحوثيين في صنعاء لاتهامات بتأجير محطات توليد الكهرباء العمومية في صنعاء لمستثمرين تابعين لها واستغلال احتياجات السكان للطاقة الكهربائية، ينفي مسؤول في وزارة الكهرباء والطاقة الخاضعة لسيطرة الحوثيين هذا الأمر، معتبراً إياها "أكاذيب فجّة يجري الترويج لها".

 

وحسب المسؤول في وزارة الكهرباء الذي فضّل عدم ذكر اسمه في حديثه لـ "العربي الجديد"، فإن ما جرى كان عبارة عن شراكة مع القطاع الخاص تجري بعقود لتحصيل الإيرادات فقط بنظام الدفع المسبق لتتمكن المؤسسة العامة للكهرباء من مواجهة تكاليف شراء الوقود المرتفع الثمن وتنفيذ أعمال الصيانة والإصلاحات الطارئة والضرورية.

ويضيف أن ذلك جرى بالتنسيق مع وزارة المالية في صنعاء، بعد توقف خدمة الكهرباء جراء الاستهداف المباشر لهذا القطاع بداية الحرب، محملاً التحالف مسؤولية استمرار حرمان أبناء الشعب اليمني خدمةَ الكهرباء بسبب توقف محطة مأرب الغازية، ومنعه تدفق إمدادات المازوت لتشغيل المحطات الحالية.


وتعد محطة مأرب الغازية الشبكة الوطنية الأولى لتوليد الطاقة الكهربائية في اليمن، إذ دخلت في الخدمة عام 2009 بهدف تعزيز القدرة التوليدية الكهربائية بقدرة إجمالية تصل إلى 341 ميجا واط من أجل القضاء على العجز الحاصل في قدرة التوليد والاستغلال الأمثل لمصادر الغاز الموجود في اليمن، لكنها خرجت عن الخدمة تماماً منذ بداية الحرب في 2015.

ويتابع أنه بعد توقيف محطة مأرب الغازية، استطاعت وزارة الكهرباء، بجهود ذاتية، تشغيل محطة حزيز الواقعة جنوب صنعاء جزئياً، من أجل مواجهة الاحتياجات الإنسانية الطارئة وتخفيف معاناة المرضى، مؤكداً احتفاظ وزارة الكهرباء والطاقة بحقها في مقاضاة ما وصفه بـ"تحالف العدوان" في هذا الشأن. وتمتلك محطة حزيز القدرة على توليد التيار الكهربائي لعموم صنعاء لفترة لا تقلّ عن سبع ساعات يومياً.


وفي مقابل انتقادات المستهلكين بارتفاع أسعار الكهرباء، يقول تجار محطات التوليد إن الأسعار مناسبة، مضيفين أنه "تُراعى الوضعية المعيشية للمواطنين والأعمال التجارية والمهنية، إذ تضع تسعيرة التعرفة غالباً وزارة الكهرباء والطاقة في صنعاء".

ويبدي بعض التجار التذمر من تصرفات السلطات التي تبتزهم من حين لأخر وتفرض عليهم دفع مبالغ مضاعفة خارج الإطار الرسمي للجبايات، مثل ما حدث الأسبوع الماضي، بإلزامهم بدفع مبالغ تراوح ما بين 100 إلى 300 ألف ريال، ومن يرفض تُفصَل أسلاك التيار الكهربائي عن محطة التوليد، كما أكد بعض هؤلاء المستثمرين في الطاقة الكهربائية في صنعاء.

 

وكما يجرى استغلال أزمة الكهرباء في صنعاء من قبل تجار المولدات، تُعَدّ الكهرباء بمثابة "ثقب أسود" لفئة تجارية يديرها ويشرف عليها التحالف العربي في عدن وبعض المناطق في جنوب اليمن، كما يقول الباحث الاقتصادي فوزي النقيب، مشيراً إلى أن هناك عائدات يجنيها هؤلاء التجار بعيداً عن الإجراءات الحكومية الرسمية المتبعة في هذا الخصوص.

ويوضح النقيب لـ"العربي الجديد" أن "التحالف يسمح منذ ثلاث سنوات بتصدير ما نسبته 40 بالمائة من النفط اليمني عبر شبكة من التجار الذين يعمل بعضهم لحساب المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، وجزء من عائدات ما يُصدَّر يسخَّر من فترة لأخرى لاستيراد مشتقات نفطية من المازوت لتشغيل كهرباء عدن وحضرموت ومناطق أخرى في جنوب اليمن، وهو ما يشكل ثقباً أسود للفساد في هذا الجانب، بينما تُحرَم كهرباء تعز والحديدة ذلك".


ويحاصر الظلام تعز (جنوب غرب اليمن) منذ بداية الحرب، مع توقف الكهرباء الحكومية وعدم توافر الطاقة التجارية مع اعتماد محدود على ألواح الطاقة الشمسية، بينما يشكو مواطنون في الحديدة المحافظة الساحلية الواقعة غرب البلاد، من صعوبة توفير الطاقة، التي لا يستطيعون الاستغناء عنها كمنطقة ساحلية تعاني فوضى وعزلة تامة بسبب الحرب التي اجتاحتها بقوة منذ ثلاث سنوات.

ويقول محمد الويسي من سكان الحديدة إن الحرب التي دارت أخيراً في الساحل الغربي لليمن ألحقت أضراراً بالغة بكل مناحي الحياة، وخلفت دماراً هائلاً، وعطلت كل الأعمال التجارية والاستثمارية، وسبّبت هجرة رأس المال الوطني. إذ كما هو معروف، تُعَدّ الحديدة مركز الثقل الاقتصادي الأول في اليمن بالنسبة إلى قطاع المال والأعمال.


ويرى أن توقف الكهرباء كان أحد أهم هذه الأضرار التي لحقت بالمحافظة وسبّبت توقفاً تاماً لأغلب الأعمال التجارية والاستثمارية، مع اجتياح الدمار والظلام مختلف مناطق الحديدة وظهور محدود للكهرباء التجارية التي لا يستطيع سكان الحديدة الاشتراك فيها لارتفاع تكاليفها ولمحدودية الدخل الذي يعاني منه السكان.

 

وخلقت الحاجة الملحة للكهرباء، وخصوصاً في المناطق الحارة، سوقاً رائجة موازية للكهرباء، يتحكم فيها بشكل كامل تجار المولدات الخاصة الذين يفرضون أسعاراً مرتفعة لتعرفة الاستهلاك دون ضوابط رقابية.

ويدعو الويسي إلى تشغيل الكهرباء من محطة رأس كتيب البخارية في الحديدة لجميع المواطنين وليس الخط الساخن فقط الذي يمد المستشفيات الحكومية ومنازل المسؤولين فقط بالطاقة، بينما يعاني المواطن مشقة كبيرة في توفير أدنى متطلبات الحياة مثل الكهرباء وغيرها.


وكانت المساعدات التي قدمها التحالف عبارة عن مساعدات مؤقتة لسد حاجة آنية لدى اليمنيين، بينما يتعمد عدم تخصيص أي ميزانيات كما يقول النقيب، لتمويل مشاريع تنموية مستدامة ممكن أن تخدم اليمن على المدى الطويل.

ويقول خبراء إن "كل ما لاقاه اليمنيون ليس أكثر من وعود وهمية لإنشاء مشاريع استراتيجية من عيّنة محطة تمويل الكهرباء في عدن التي استمرت الإمارات منذ عام 2015 في الترويج لتمويل مشروع كهذا لم ينفذ فيه شيء على أرض الواقع".


لكن مسؤولاً حكومياً يشير إلى تصدر الكهرباء أجندة الحكومة خلال الفترة القادمة، وهناك عقود وُقِّعَت لإنشاء محطات في بعض المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة.

 

في المقابل، يقول وليد أمين، الذي يعمل فني سيارات في محافظة عدن، إن الكهرباء صداع مزمن يعاني منه السكان كافة في المحافظة، مؤكداً أن الكهرباء الحكومية شبه متوقفة، حيث لا تزيد مدة عملها في اليوم على أربع ساعات، بينما الكهرباء التجارية محدودة ومكلفة وتتطلب مبالغ باهظة لتوفيرها.

ويشهد مختلف المناطق اليمنية منذ مطلع 2015 فوضى مستمرة، طاولت الأنشطة الإنتاجية والخدمية والتجارية، وسط ندرة وتردٍّ في الخدمات وارتفاع كبير في الأسعار.


وكان تقرير صادر حديثاً عن قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط، بالتعاون مع منظمة اليونيسف، قد قدّر كلفة الفرص الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي في اليمن جراء الحرب المستمرة بنحو 66 مليار دولار.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص