الإمارات تدفع حكومة اليمن لطرق بديلة لتصدير النفط
كشفت وزارة النفط والمعادن اليمنية، عن خطط ومشاريع بديلة سيتم تنفيذها بحلول عام 2020 لتصدير النفط الخام، وذلك في ظل سيطرة الإمارات على مختلف مواقع إنتاج وتصدير النفط والغاز وموانئ التصدير الاستراتيجية، ما يحرم الحكومة من تدبير موارد مالية ذاتية.
وحسب تقرير صادر عن وزارة النفط، فإن الخطط الحكومية تتضمن إنشاء أنبوب لنقل النفط الخام بطول 82 كيلومترا، لربط قطاعات الإنتاج بميناء "النشيمة" النفطي على ساحل بحر العرب في منطقة رضوم بشبوة جنوب اليمن.
وأشار التقرير إلى أن مشروع خط النقل الجديد يكتسب أهمية كبيرة كونه سينقل 57 ألف برميل نفط يومياً قابلة للزيادة، وسيوفر دخلا يوميا للدولة يصل إلى حوالي 3.6 ملايين دولار، وسينعش إنتاج الحقول والصناعات النفطية، وسيسهم في عودة الشركات الأجنبية ويفتح المجال لاستثمارات جديدة ويساعد في عودة عمل مشروع الغاز الطبيعي.
وقال مسؤول في وزارة النفط لـ"العربي الجديد" إن مشروع تأهيل ميناء النشيمة، أحد البدائل التي اتخذتها الحكومة لعودة إنتاج وتصدير النفط بعد توقف أنبوب التصدير صافر - رأس عيسى، والذي يصعب استخدامه لقيام الحوثيين بتفريغه من النفط وجعله عرضة للصدأ، إضافة إلى عدم جاهزية ميناء بلحاف الاستراتيجي في شبوة (جنوب) الخاضع لسيطرة الإمارات في المقابل.
وأشار المصدر إلى أن عام 2019 شهد عمليات إنتاج وتصدير محدودة من بعض المواقع، إذ تم استئناف الإنتاج في محافظة مأرب (شمال شرق) من "قطاع 18" عبر المشغل الوطني شركة صافر لاستكشاف وإنتاج النفط، حيث بلغ الإنتاج 20 ألف برميل يومياً، يكرر منها 8 إلى 10 آلاف برميل محلياً، فيما يتم تصدير المتبقي، إضافة إلى استئناف الإنتاج من حقول المسيلة في حضرموت (جنوب شرق)، عبر المشغل الوطني شركة بترو مسيلة لإنتاج واستكشاف النفط، بحوالي 33 ألف برميل يومياً.
وحول إعادة تشغيل ميناء بلحاف وتصدير الغاز المسال، قال المصدر، إن هناك جهودا تتم حالياً في هذه الاتجاه لتسليم الميناء للحكومة اليمنية لتباشر في إعادة تأهيله، إذ يحتاج لتكاليف باهظة لتأهيله وتجهيزه للعمل والتصدير في حال تم إخلاؤه ومباشرة العمل فيه.
وانهار إنتاج اليمن من النفط منذ عام 2015، وأدت الحرب لكبح إنتاج الطاقة وإغلاق مرافئ التصدير. وكان اليمن ينتج حوالي 127 ألف برميل يومياً في المتوسط قبل الحرب في 2014، حيث يعتبر النفط المحرك الرئيس لاقتصاد الدول الفقيرة، ويمثل 70 في المائة من موارد الموازنة، و63 بالمائة من الصادرات، و30 في المائة من الناتج المحلي، وتمثل عائداته نسبة كبيرة من موارد النقد الأجنبي.
ويشكك خبراء اقتصاد في قدرة الحكومة اليمنية على إعادة تشغيل مواقع إنتاج النفط والغاز والتصدير بكامل طاقتها، رغم قيامها بتصدير كميات محدودة في عامي 2018 و2019، نتيجة لرفض الإمارات إخلاء 9 مواقع اقتصادية تسيطر عليها وتحويلها إلى معسكرات وثكنات عسكرية ومخازن للأسلحة.
وأدى الصراع العنيف في اليمن إلى تعطل شديد في النشاط الاقتصادي وصادرات النفط والغاز، فضلاً عن إلحاق أضرار بالغة بالبنية التحتية، وتعليق الخدمات العامة الأساسية على نطاق واسع، إذ تسبب توقف صادرات النفط في نقص حاد في النقد الأجنبي، كما انخفضت الإيرادات الحكومية بشدة، وانقسمت مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي.
وخسر اليمن ما يزيد عن خمسة مليارات دولار، كان من الممكن أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال الخمس سنوات الماضية، جراء توقف تصدير النفط والغاز وتعطيل الموانئ والمطارات، وإصابة كافة المرافق والقطاعات الاقتصادية بالشلل التام جراء العبث الذي أصابها منذ سيطرة التحالف على المناطق المحررة من قبضة الحوثيين، والتي يستخرج منها أغلب إنتاج اليمن من النفط والغاز.
ويقول الخبير الاقتصادي مجدي العكوري، إن الإمارات تريد أن يتسلم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه مواقع الإنتاج، ويكون له دور في الإشراف على عملية التصدير وإدارة الموارد العامة، في إطار مساعيها لتفتيت اليمن وتكوين سلطات موازية للحكومة، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي.
ويشير مجدي في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى الدور السلبي للتحالف العسكري في اليمن، في خلق سلطات موازية للحكومة اليمنية وتقويض تواجدها على الأرض وإدارة الموارد العامة للدولة، لهذا لم تستطع الحكومة إعادة إنتاج وتصدير النفط والغاز بالشكل المرجو منذ نحو ثلاث سنوات.
وكان محافظ شبوة محمد صالح بن عديو، قد اتهم مؤخراً الإمارات بتحويل أهم منشأة اقتصادية في اليمن ميناء بلحاف الاستراتيجي الذي يعتمد عليه اليمن كمرفأ خاص بتصدير النفط والغاز، إلى ثكنة عسكرية، كما قام الأسبوع الماضي برفع مذكرة طارئة إلى الرئيس عبدربه منصور هادي، يطلب تدخله بشكل عاجل في إيجاد حل للتواجد العسكري الإماراتي المكثف، والضغط عليها لإخلاء ميناء بلحاف الذي حولت جزءا منه إلى سجون سرية ومخازن بمختلف أنواع الأسلحة.
وقال بن عديو: "طلبنا من الرئيس هادي مخاطبة الإخوة السعوديين لإقناع الإماراتيين بإخلاء منشأة الغاز في بلحاف لأنها أكبر مشروع اقتصادي على مستوى اليمن"، لافتا إلى أن الإماراتيين حولوها ثكنة عسكرية، وكدسوا فيها جميع أنواع الأسلحة.
وأكد محافظ شبوة، أن الشركات الأجنبية جاهزة، وتريد أن تتعامل مع الحكومة اليمنية كدولة وترفض أن تتعامل مع أي جهة أخرى، لأنها تدفع فاتورة التوقف، حيث يدفع اليمن فاتورة باهظة بالإضافة إلى معاناة المواطن اليمني، مضيفا: اليوم لدينا انهيار في العملة بسبب توقف الصادرات، رغم أن كل القطاعات النفطية والغازية موجودة في المناطق المحررة، ولكن للأسف ما يصدر من المناطق المحررة لا يتجاوز 15 في المائة مما كان يصدر قبل 2015.
وتقدر تكلفة إنشاء مشروع بلحاف الاستراتيجي نحو 5.4 مليارات دولار، إذ تصل كمية الإنتاج الكلية للمشروع إلى نحو 6.7 ملايين طن متري من الغاز سنويا، وكان من المقرر تصدير نحو 2500 ناقلة غاز خلال الخمسة والعشرين عاماً القادمة بمعدل يتراوح بين 100 إلى 105 ناقلات كل عام، ومتوقع مساهمة المشروع في رفد الإيرادات العامة بما يتراوح بين 30 إلى 50 مليار دولار خلال الثلاثين سنة القادمة.
ويقول صلاح المليكي، الذي يعمل مهندسا في إحدى شركات النفط في اليمن إن "توقف التصدير وخروج الشركات الدولية والمحلية من مواقع الإنتاج كان السبب الرئيسي في توقف النشاط الاقتصادي، وتعطيل المواقع والمنافذها السيادية للدولة وتبديد الموارد العامة، والتسبب بأكبر ازمة إنسانية يشهدها اليمن، رغم أن هذه المواقع في محافظات ومناطق لم تصل إليها الحرب أو تم تحريرها مبكراً مثل عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد.
وساهمت الحرب والأزمة الاقتصادية وتقويض مؤسسات الدولة وعدم استغلال الموارد العامة وتوقف دفع رواتب الموظفين المدنيين، في توسيع رقعة الفقر في اليمن من 55 بالمائة عام 2014 إلى 70 بالمائة في 2019، ويعيش حسب الأمم المتحدة 17 مليون يمني على وجبة واحدة في اليوم، كما تضاعفت أعداد البطالة.
ويؤكد المليكي في حديث لـ"العربي الجديد"، جاهزية الشركات المحلية والدولية للعودة للعمل رغم ما أحدثه التوقف من خسائر باهظة لليمن بالدرجة الأولى وللشركات العاملة في حقول الإنتاج والتصدير، لكن كما يوضح، هناك عديد المعوقات أغلبها أمنية نتيجة غياب الأمن وتقويض الدولة وتواجد تشكيلات عسكرية في بعض مواقع الإنتاج والتصدير.
ويتابع: "بلحاف أكبر مشروع اقتصادي في تاريخ اليمن المعاصر، ونقطة تحول هامة ومحطة رئيسية في مسار الاقتصاد الوطني الذي يحتاج لدفعة نمو قوية، وكذا دخول اليمن نادي الدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم، لكن مع الأسف ما يتعرض له من عبث يتطلب جهدا شاقا، وهو مكلف ماديا لإصلاحه وإعادة تشغيله".