بعد 10 أعوام من الثورة اليمنية.. ما مصير أموال صالح؟
في وقت ما انفكت فيه الأمم المتحدة تذكّر الدول والجهات المانحة للإيفاء بتعهداتها لإنقاذ اليمن من أسوأ أزمة إنسانية، لا يزال ملف أموال الرئيس الراحل علي عبد الله صالح مغيبا عن المشهد.
وبعد 10 أعوام من الثورة الشعبية التي انتهت بتنحيه عن الحكم، تراجع الحديث عن مصير ثروة قدرها فريق الخبراء المعني باليمن بين 32 و60 مليار دولار، جمعها صالح خلال 3 عقود من حكمه.
وكانت المبادرة الخليجية منحت صالح الحصانة القضائية من الملاحقة، لتنهي أي أمل في استعادة الأموال التي استولى عليها، لكن عودته إلى المشهد بتحالفه مع الحوثيين دفعت مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات عليه بموجب القرار 2140.
وقضى القرار أن تجمِّد جميع الدول الأموال والأصول الموجودة في أراضيها، والتي يملكها أو يتحكم فيها صالح، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
لكن فريق الخبراء قال في أحد تقاريره إنه لم يتلق أي تأكيد من الإمارات بشأن تجميدها الأصول لخالد علي عبد الله صالح، الذي يُعتقد أنه يدير ثروة أبيه وشقيقه أحمد المدرجين في قائمة العقوبات.
ثروة مجهولة
ولم تكن ثروة صالح متاحة أمام التقارير أو السجلات البنكية، بل كان معظمها أصولا مالية مسجّلة بأسماء أشخاص آخرين، حسب مصدر مطّلع عمل في الحكومة اليمنية إبان نظام صالح.
وأضاف المصدر للجزيرة نت "كانت ميزانية الرئاسة اليمنية مفتوحة تماما، وكان صالح لا يفرّق بين أمواله الشخصية والأموال العامة، وفي نهاية العام كانت ميزانية ما صرفته الرئاسة يتجاوز أحيانا ما تنفقه وزارة الصحة".
وأوضح المصدر -الذي فضل عدم الكشف عن هويته- أن الأرقام التي حددها فريق الخبراء ترجع لما جمعه صالح خلال سنوات حكمه، لأنه كان ينفق أيضًا على تقوية أركان حكمه عبر شراء الذمم والإغداق في المنح والعطايا.
ولم يورد تقرير فريق الخبراء تفاصيل شاملة عن أموال صالح، لكنه حدد شبكة مالية أسسها الرئيس السابق تتألف من عمليات تجارية وشركات وأصول في كندا وأميركا وسويسرا وهولندا وفرنسا وجنوب شرق آسيا والإمارات ودول الشرق الأوسط وجزر البهاما وجزر فرجن وجزر تركس وكايكوس.
وفي منتصف 2020، سجل التقرير تحويلين مصرفيين بقيمة 65 مليون دولار أُرسلا من المصرف المتحد السويسري إلى حسابين مصرفيين في سنغافورة يعودان إلى أحد أفراد أسرة صالح.
وكشف تحقيق لصحيفة ليبراسيون (Liberation) الفرنسية أن عائلة صالح اشترت منذ 2005 عدة شقق بملايين اليوروهات غرب باريس قرب الشانزلزيه وقوس النصر.
مصادرة الحوثيين
وقبل أشهر من مقتله على يد حلفائه الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2017، تهكم صالح على تقارير الأمم المتحدة، وقال ساخرا في كلمة ألقاها أمام مناصريه "أنا معي 60 مليار. أنا لو معي 60 مليار لقلبت المنطقة رأسا على عقب!".
لكن تقرير الأمم المتحدة قال إن صالح توقع صدور عقوبات دولية بحقه وكان لديه متسع من الوقت للالتفاف على التدابير المتخذة لتجميد أمواله التي جُمعت عبر الفساد المتصل بعقود النفط والغاز وصفقات الأسلحة.
غير أن صالح لم يستطع أن يحمي ثروته من حلفائه الحوثيين. وعقب اقتحام منازله في صنعاء، استولى الحوثيون على أموال وسبائك ذهب وأسلحة، وبثوا صورها في وسائل إعلامهم. كما وثّق تقرير الخبراء تحويل أموال من مؤسسة "الصالح" إلى حسابات تابعة للحوثيين عقب مقتل صالح.
تجاهل حكومي
وحاولت الجزيرة نت التواصل مع عدة أطراف في الحكومة اليمنية للحصول على معلومات عن جهود استعادة أموال صالح، لكن معظمها أشارت إلى أنها لا تملك أي معلومات عدا ما تورده التقارير الأممية.
ورد مسؤول حكومي بأنه لا توجد أي جهة حكومية تعمل في هذا الملف، مشيرا إلى أن كل الجهود توقفت مع اندلاع الحرب.
وكانت الحكومة قد صاغت مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة نهاية مارس/آذار 2014، لكن اندلاع الحرب حال دون إقراره بشكل نهائي، حسب ما يقول للجزيرة نت وزير الشؤون القانونية السابق في حكومة التوافق محمد المخلافي.
ويضيف أن نظام صالح، الذي كان يتقاسم الحكم مناصفة مع المعارضة، رفض إقرار المشروع، ليدفع الحكومة لإحالته للتشاور مع الجهات المعنية بالأمم المتحدة، مشيرا إلى أن "حكومة الوفاق تعرضت للإسقاط بعد استيلاء الثورة المضادة على صنعاء".
من جهته، قال مانع المطري، وهو عضو لجنة استرداد الأموال والأراضي المنهوبة في الداخل والخارج ووكيل وزارة الشباب والرياضة، إن الأهم في هذا التوقيت هو استرداد البلاد قبل الأموال المنهوبة، في إشارة إلى التركيز على الحرب ضد جماعة الحوثي.
بدوره، يقول محمد الأفندي، رئيس الشبكة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة (منظمة مدنية تضم محامين وأكاديميين)، للجزيرة نت إن كل الجهود في ملف استعادة الأموال توقفت مع اندلاع الحرب، في وقت تغض فيه الحكومة الطرف عن الملف.
ملف شائك
ويأخذ ملف استعادة الأموال المنهوبة سنوات طويلة، وفق ما يرى الباحث الأول في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية عبد الغني الإرياني، الذي عمل سابقًا في مكتب المبعوث الأممي وبعثة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، كما عمل مستشارا لعدد من المنظمات.
وقال الإرياني للجزيرة نت إن الحكومة اليمنية لا تبدو مهتمة بالملف، إذ يُفترض أن تقدم أوراقها بناء على تجميد الدول بعض الأموال والحسابات البنكية وفق القرار الأممي، وتشكيل هيئة متخصصة لمتابعة استعادة تلك الأموال، معتبرا أنه "دون تشكيل تلك الهيئة يصعب عمل أي شيء".
من جانبه، يقول رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر إن كل الجهود الحكومية والمدنية لاستعادة الأموال المنهوبة من قِبل نظام صالح توقفت مع اندلاع الحرب.
وأوضح للجزيرة نت أن ملف استعادة الأموال يعد شائكًا وصعبا، ويُفترض أن ترفع الأجهزة القضائية الدعاوى، لكنْ هناك تراخ في البحث والتحقيق عن هذه الأموال واستعادتها.
وأشار إلى أن تجارب استعادة الأموال لدول أخرى مثل ليبيا وتونس ومصر لم تكن مشجعة في ظل إبداء الدول الكبيرة ممانعة في هذا الملف.
وفي هذا السياق، يعود الإرياني للتجربة في الفلبين التي "استعادت 4 مليار دولار خلال 35 عاما من أصل 10 مليارات دولار نهبها دكتاتورها السابق فرديناند ماركوس".