2022/10/18
استمرار الانتهاكات ضد النساء والناشطات.. وجه آخر للإرهاب الحوثي

اعتقدن أنهن محميات في بلد تحكمه أعراف وعادات وتقاليد تمنح المرأة حرمة تصل إلى حد القداسة، لذا نظم البعض منهن سلسلة من الاحتجاجات بمختلف الوسائل ضد المليشيات الحوثية، غير أنهن دفعن ثمنا باهظا مقابل ذلك، حيث كسرت الاعتقالات التعسفية والخطف والتعذيب والاغتصاب والقتل الحصانة الرمزية التي حظين بها منذ عقود.

1800 امرأة في سجون الحوثيين، وكل يوم تزداد الانتهاكات ضد النساء عامة، والناشطات خاصة، تتنوع ما بين القتل، والتعذيب، والإخفاء، والتشويه، والعنف الجنسي، والاغتصاب.

وذكر تقرير حقوقي نشره مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية في مأرب، أن هناك 311 حالة إخفاء قسري، و614 معتقلة من الناشطات الحقوقيات والقطاع التربوي والتعليمي، ووثق التقرير 96 حالة اغتصاب وعددا من حالات الانتحار في سجون المليشيات.

وتحدث التقرير عن مدى حجم العنف الذي تعرضت له المرأة اليمنية على يد الحوثيين، مما أدى إلى مقتل 1691 امرأة وإصابة 3655 أخريات.

المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر هي الأخرى ذكرت، في تقرير لها نشرته نهاية العام الماضي، أن السلطات الأمنية الحوثية تواصل ارتكاب انتهاكاتها المروعة بحق النساء المختطفات والمخفيات قسريا، مع استمرار هذه الممارسات القمعية لتطول نساء وفتيات جددا انضممن إلى قائمة الضحايا، مع استمرار المليشيات في عمليات الاختطاف للنساء والفتيات بمبررات واهية، وبأسلوب همجي غير مسبوق.

وأوضح التقرير أن النساء الضحايا في أقبية السجون السرية، يعانين ظروفا سيئة ومأساوية جراء الاعتداءات الجسدية والجنسية عليهن، ودخلت بعض الضحايا في حالات نفسية سيئة، جراء التعذيب الممنهج والمتعمد لإذلال وامتهان الضحايا من النساء وتدمير نفسياتهن.

وكشفت المنظمة أن مليشيا الحوثي حولت فللا وأقبية بعض المباني في صنعاء إلى سجون وحشية للنساء، تفوق الانتهاكات فيها ما حدث في سجن أبو غريب بالعراق وسجن غوانتانامو.

تمنيت الموت كي أتخلص من هذا العذاب:

استخدم الحوثيون الاختطاف والتشويه المتعمد لسمعة النساء عامة والناشطات خاصة، كسلاح لتخويفهن وإسكاتهن، والعمل معهم في شبكات دعارة يستهدفون من خلالها شخصيات معارضة، وأخرى تابعة لهم لا يضمنون ولاءها الكامل.

سونيا صالح علي الغباش، ناشطة تعمل في مجال الإغاثة، من خلال حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي انتقدت بعض ممارسات الحوثيين، ليتم اختطافها بينما كانت في طريقها لجلب أطفالها من أحد الأندية الرياضية في صنعاء.

تروي سونيا حكاية اختطافها لمنظمة "سام للحقوق والحريات" ضمن شهادات لنساء أخريات ثم الإفراج عنهن، ومغادرتهن اليمن خوفا من بطش المليشيات.

تقول سونيا: "تم اعتقالي وإيداعي في سجن الأمن القومي لمدة عشرة أيام، اتهموني بالخيانة وبأنني على علاقة بما يسمونها دول العدوان، وطلبوا مني العمل معهم إذا أردت منهم الإفراج عني، ومقابل امتيازات كثيرة".

وأضافت: "بعد رفضي هذا الأمر، نُقلوني إلى سجن سري تحت الأرض، وسمعتهم يقولون (نزلوها الضغاطة).. قيدوا أقدمي إلى يدي، وأدخلوني زنزانة مظلمة".

تصف فترة احتجازها بقولها: "في الشهر الأول عُذبت باستخدام الماء البارد والصعق بالكهرباء.. كنت أشعر أن روحي تفارق جسدي مع كل صعقة، بالإضافة إلى الضرب المبرح الذي لم ينقطع طوال التحقيق، ناهيك عن الألفاظ البذيئة".

وأضافت: "في الشهر التالي زادوا من وتيرة التعذيب، وعلقوني على حديدة منصوبة على أحد الجدران، بدؤوا بالتحقيق معي، ثم شعرت بيد تخلع عني ملابسي وبشيء حاد يدخل إلى جسدي، بعدها أحسست بنار حارقة تدخل إلى بطني، كانت عبارة عن إبرة كبيرة، أو ما يسمونها بـ(المخيط).. ثقبوا بطني، وأدخلوها بين الجلد واللحم، كنت أصرخ وأبكي من شدة الألم".

وتابعت حديثها قائلة: "كانت أوقات التحقيق في فترات متأخرة من الليل، وهي أصعب الفترات التي رأيتها في حياتي، حيث تعرضت لشتى أنواع الممارسات، حتى أني تمنيت الموت كي أتخلص من هذا العذاب.. كنت أسمع أصوات وصراخ وبكاء السجينات يُعذبن، فيزداد عذابي أكثر.. لقد كان يؤتى بمختطفات بسرية تامة، ولا يعلم أحد من هن أو ما هي تهمهن، ويتم وضعهن في زنازين مُجهزة مُسبقًا ومعزولة عن قسم النساء، حيث تتكون تلك الزنازين من أربع غرف يتراوح حجمها بين 6 أو 10 أمتار مربعة".

ردع الناشطات:

كشف فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، في تقريره للعام 2021، الذي قدم إلى مجلس الأمن، عن انتهاكات إنسانية مارستها مليشيات الحوثي بحق نساء وأطفال يمنيين، بلغت حد الاغتصاب في السجون والمعتقلات السرية التي تديرها المليشيات.

وقال التقرير إن فريق الخبراء وثق تعرض امرأتين للاحتجاز والاغتصاب من قبل الحوثيين، لرفضهما المشاركة في الدورات الثقافية (الطائفية)، كما رصد قيام الحوثيين باغتصاب طفل خلال تلقيه للتدريب على أيديهم.

وحققت البعثة الدولية في 17 حالة تتعلق بـ50 ضحية من ضحايا انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان في ما يتعلق بالاحتجاز، بما في ذلك العنف الجنسي والتعذيب على أيدي المليشيات.

وأدان الفريق الأممي ما قام به الحوثيون من احتجاز لناشطات عارضن آراءهم سياسياً أو مهنياً، وتم تعذيبهن وتشويههن والاعتداء عليهن جنسياً، واستخدام مزاعم الدعارة للمعتقلات بهدف نزع الدعم المجتمعي.

واستشهد التقرير بتسع حالات انتهاك قام الحوثيون خلالها "باختطاف واحتجاز نساء ناشطات سياسياً أو مهنياً، بسبب معارضتهن لآرائهم الأيديولوجية أو توجههم السياسي".

ووفقاً للفريق الأممي فقد استخدمت المليشيات مزاعم الدعارة ذريعة للحد من تقديم الدعم المجتمعي للضحايا المعتقلات، ومنع مشاركتهن النشطة في المجتمع المحلي، وضمان عدم تهديدهن لنظام الحوثيين.

وفي مساعيهم إلى فرض هذه الغاية، أضاف التقرير أن المليشيات "سجلت فيديوهات مخلة بالآداب واحتفظت بها، لمواصلة استخدامها كوسيلة ضغط ضد أي معارضة من هؤلاء النساء".

واستنتاجاً لهذا السلوك، خلص الفريق إلى أن "هذه التدابير الحوثية ضد النساء لها تأثير رادع لنشاطهن، ويؤثر قمعهن في قدرات القيادة النسوية المشاركة في صنع القرار المتعلق بحل النزاع، ويشكل بالتالي تهديداً للسلام والأمن والاستقرار في اليمن".

تهديد بالقتل فور خروجهن من المعتقل:

انتصار الحمادي (20 عاما) عارضة أزياء وممثلة، اعترض مسلحون حوثيون طريقها وهي ذاهبة لمقر عملها في شارع حدة بالعاصمة صنعاء، بتاريخ 20 فبراير 2021، واقتادوها إلى مكان مجهول.

في محاولة لانتزاع اعتراف قسري، تعرضت الحمادي للتعذيب، وفي محاكمة غير قانونية حكمت عليها مليشيات الحوثي ظلما بالسجن خمس سنوات.

ما يشغل بال السجينات المختطفات اللائي لفقت لهن التهم، هو كيف يقنعن أهاليهن أنهن ضحايا، ولأن المجتمع اليمني تعتبر فيه المرأة مدانة وإن كانت بريئة، توعد بعض الأهالي بناتهم بالقتل في حال خروجهن من السجن، وآخرون تبرؤوا منهن بحجة تلطيخ شرف العائلة، وفتيات أسرهن لا تعلم مصيرهن أو مكانهن، وينتظرن الإفراج عن سجينة لتكون الرسول الذي يبلغ الأهل عن مكانها.

يؤكد تقرير لفريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن، الصادر أواخر سبتمبر من العام الحالي، أن "الاتهامات بارتكاب أفعال الفجور قد استخدمت لتغطية بعض القضايا ذات الدوافع السياسية، فوصمة العار الاجتماعية تجعل النساء المتهمات بمثل هذه الجرائم عرضة للضغوط الاجتماعية والعائلية وللإقصاء".

قصور واضح للشرعية تجاه ملف المعتقلات:

لم يُظهر الحوثيون أية رغبة أو اهتمام باتباع قوانين أو أعراف المجتمع الدولي، منذ انقلابهم على الشرعية، بل استمروا في تقديم نماذج متزايدة من الحكم المستبد والقبضة الحديدية.

نبيل فضل، رئيس "المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر"، تحدث حول هذا الموضوع قائلا: "المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر هي من كشفت السجون السرية المتعلقة بالنساء لدى مليشيا الحوثي، في بداية عام 2019، كما أنها وثقت ورصدت العديد من تلك القضايا".

وأضاف: "لقد مكنت المنظمة المجتمع الدولي من الجلوس مع عدد كبير من النساء الناجيات من سجون الحوثي، كالعفو الدولية، والخبراء الدوليين، وغيرها".

وأشار فضل إلى التقارير الدولية التي صدرت بهذا الخصوص، كتقرير الخبراء الدوليين، وكذلك مجلس العقوبات الدولية، والإحاطات الأخيرة لمجلس الأمن، ونتيجة لهذه الشهادات من الضحايا والتقارير الدولية، صدرت العقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية على مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحق النساء.

وعن أسباب الصمت الكبير للمجتمع الدولي تجاه الحوثيين، وما يقومون به من انتهاكات ضد النساء، يقول فضل إن المجتمع الدولي أو المنظمات الدولية وتحديدا "الخبراء الدوليين" لديهم حاليا مشروع إحالة المنتهكين لحقوق النساء في اليمن إلى محكمة الجنايات الدولية.

ويرى أن عدم ارتقاء المجتمع الدولي في موقفه إلى المستوى المطلوب تجاه هذه الانتهاكات بحق النساء، كان نتيجة لقصور العمل بجدية من قبل السلطة الشرعية تجاه هذا الملف.

33 حالة اغتصاب:

تتكرر الشهادات من الناجيات، ليستمر الصمت إزاء تلك الانتهاكات رغم الأعداد الكبيرة من المعتقلات، اللاتي يتعرضن لكل أنواع التعذيب والاستغلال الجسدي والنفسي، بحسب شهاداتهن.

سميرة الحوري، رئيسة مفوضية يمنيات، إحدى الناشطات اللاتي تم اعتقالهن، روت أنها عندما توجهت إلى منازل رفيقاتها اللائي اختفين واحدة تلو الأخرى، للاستفسار عن أسباب غيابهن، واجهت الإجابة الغامضة نفسها: "إنها مسافرة"، ولم يظهر سوى عدد قليل منهن بعد ذلك، لكنهن بدين مهزومات ورفضن تحديد الوجهة التي اختفين فيها لشهور، حسب وصفها.

وسرعان ما اكتشفت الحوري المكان الذي اختفت فيه رفيقاتها، إذ اقتادها إليه 12 جنديا تابعا للمليشيات من منزلها في صنعاء فجرا.

فقد نقلوها إلى قبو مدرسة حولت إلى معتقل، وكانت زنزاناتها القذرة مليئة بالمعتقلات.

وخلال فترة الحجز تعرضت للضرب المبرح من قبل المحققين حتى سالت الدماء من جسدها، وقاموا بصعقها بالكهرباء.

وكنوع من التعذيب النفسي، وضعوها على قائمة الإعدامات، لكنهم ألغوا الحكم في اللحظات الأخيرة.

وقالت الحوري التي ظلت رهينة الاعتقال لثلاثة أشهر، حتى اعترفت أمام الكاميرا بتهم الدعارة الملفقة إليها: "كان وضع بعضهن أسوأ مني".

وذكرت الحوري أنها وثقت 33 حالة اغتصاب وحالات عجز حدثت للنساء بسبب التعذيب، وأن الحوثيين يهدفون لإذلال المعتقلات بالاغتصاب ومزاعم الدعارة.

وقالت: "يطلق الحوثيون سراح الأسيرات فقط بعد تعهدهن بوقف أنشطتهن، وتسجيل اعترافاتهن بالدعارة والتجسس".

وأوضحت أن النساء اللواتي تجرأن على معارضة الحوثي، أو حتى العمل في المجال العام، صرن أهدافا في حملة قمع متصاعدة ضدهن.

وذكرت الحوري ومعتقلات سابقات، أنه تم استخدام فيلتين على الأقل في شارع تعز لاحتجاز نساء، إلى جانب مواقع أخرى حول العاصمة، بما في ذلك شقق سكنية ومستشفيين وخمس مدارس.

فخ العفو العام:

في مختلف مراحله التاريخية، ظل الصراع اليمني ينأى بالنساء عن تبعات الحروب والنزاعات المتتالية وآلتها الرهيبة، حتى ظهر الحوثي وبرزت انتهاكات إنسانية طالت النساء على نحو صادم غير مسبوق، حيث تعرضت المرأة للاعتداء الجنسي الاختطاف والابتزاز وتلفيق التهم الأخلاقية.

الدكتورة فاطمة صالح العرولي، رئيسة منظمة الموئل للتنمية الحقوقية، ورئيسة مكتب قيادات المرأة العربية باليمن التابع لجامعة الدول العربية، عادت إلى صنعاء كواحدة ممن نصبت لهن مليشيات الحوثي فخ العفو العام، قبل أن تعتقلها وتخفيها قسرا منذ أكثر من شهرين وذلك بعد عودتها من الإمارات.

المعلومات تقول إنها عندما كانت متواجدة في صنعاء وقبل سفرها إلى الإمارات، كانت على خلاف شديد مع بعض الأشخاص الذين ينتمون لمليشيات الحوثي، ونشرت ذلك في حسابها الشخصي على موقع فيسبوك.

وقال مقربون منها إن القضية كانت منظورة في قسم الشرطة، وقد قامت بالنشر على حسابها أن هناك مجموعة مسلحة تهددها وتهاجمها في سكنها، وبعد هذه الحادثة التي تعرضت لها سافرت ثم عادت لاحقا إلى محافظة البيضاء، واختفت تماما منذ أول أغسطس الماضي.

ذكر أصدقاء لها أنه انتابهم القلق والخوف عليها مع ذكرها أكثر من مرة أنها مهددة وتصلها رسائل تهديد وإزعاج، وفجأة أُغلقت جميع أرقامها وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يعرف أحد عنها شيئا منذ ذلك الحين.

فاطمة العرولي ليست المرأة الوحيدة، أو حتى من بين قلائل أخريات يتم اختطافها من قِبل الحوثيين، وتغييبها في ظروف غامضة غير إنسانية، بل هي من بين مئات أخريات من الناشطات والصحفيات، والعاملات في منظمات المجتمع المحلي والمنظمات الإغاثية، من تم اختطافهن وإخفاؤهن حتى اللحظة.

فمنذ ثورة 2011 كانت المرأة في طليعة التغيير الاجتماعي والسياسي، متحدية العنف الهيكلي الذي قيد بشدة مشاركتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

في الوقت نفسه، ساهم الصراع العنيف والمستمر في فشل آليات الحماية التقليدية، والتي لطالما كانت ضعيفة في حماية النساء ومحاسبة الجناة، الأمر الذي جعل المدافعات عن حقوق الإنسان وبانيات السلام، لا يشعرن بالأمان والحماية.

إن استهداف النساء هو جزء من قمع منهجي ضد الحركة النسائية في اليمن، والتي تجسدها المدافعات عن حقوق الإنسان اللواتي ينتقدن السلطات، وهذا القمع يتجسد من خلال العنف المتأصل في الأنظمة الرسمية (القانونية والحكومية) وغير الرسمية (المجتمعية والقبلية والعائلية) التي تحد من قدرة المرأة على المشاركة في الحياة العامة.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، ومن انعدام الثقة في الأنظمة التقليدية، إلا أن المرأة اليمنية برهنت باستمرار على صمودها.

 

 

*الاصلاح نت

تم طباعة هذه الخبر من موقع المهرة اونلاين www.almahrahonline.com - رابط الخبر: https://almahrahonline.net/news8841.html