كاتب يمني: إدماج "الانتقالي الجنوبي" بالحكومة شرعنةٌ للانفصال
تتداول وسائل إعلام أنباءً عن "مسودة اتفاق" ناتج عن مفاوضات في السعودية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله.
المسودة تركز على إدماج قوات المجلس ضمن قوات الجيش والأمن، ومنحه حقيبتين وزاريتين، وعودة الحكومة ومجلس النواب إلى مدينة عدن (العاصمة المؤقتة)، على أن تشرف قوات سعودية على تنفيذ الاتفاق.
وفيما لا تزال المفاوضات جارية، تبذل السعودية جهودًا كبيرة لإنهاء الأزمة التي نشبت نهاية أغسطس/ آب الماضي، وأدت إلى سيطرة القوات التابعة للمجلس الانتقالي، على محافظتي عدن وأبين (جنوب)، بعد مشاركة الطيران الإماراتي في قصف مواقع وتعزيزات القوات الحكومية، فيما فشل المجلس في السيطرة على شبوة.
ودعت السعودية، بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى مفاوضات بين الحكومة والمجلس الانتقالي بمدينة جدة، واشترطت انسحاب التشكيلات العسكرية للمجلس من المعسكرات والمقار الحكومية، وهو ما لم يحدث.
واستمرت حوارات يلفها التكتم حتى قبل أيام، حين كشفت أطراف في الحكومة والمجلس عن قرب التوصل إلى اتفاق.
ويبدو جليًا ما تبذله السعودية من جهود لمعالجة الملف الذي شغل الحكومة والتحالف العربي الداعم لها منذ عام 2015، عن المعركة ضد جماعة "الحوثي" المدعومة من إيران والمسيطرة على محافطات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.
وتصدر نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، المشهد، وتسلم الملف اليمني، لا سيما الخاص بالعلاقة بين الحكومة والمجلس، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن حرص الرياض على إدماج الأخير في الحكومة وجيشها وأجهزتها الأمنية.
** محاولة لـ"لملمة الفضيحة"
الكاتب والمحلل السياسي اليمني، مأرب الورد، يقول للأناضول، إن "السعودية تحاول لملمة فشلها في عدن، المتمثل بانقلاب المجلس الانتقالي".
ويعتبر أن "ما حصل في عدن فضيحة سياسية وأخلاقية وقانونية؛ فالانقلاب ينسف كل أهداف التحالف التي تدخل على أساسها باليمن، وهو دعم الشرعية ضد انقلاب الحوثيين بصنعاء، فإذا به يدعم انقلاب الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن".
ويضيف: "سواء كانت السعودية شريكة في هذا الانقلاب أم لا، فإنها تتحمل المسؤولية؛ لأنها قائدة التحالف، على افتراض أنها لم تكن على علم أو عاجزة عن مواجهة الانقلاب".
ويستدرك: "بالمعطيات والمؤشرات فإن السعودية كان لديها علم، وكان بمقدورها منع ذلك (الانقلاب) لكنها لم تفعل؛ بسبب تغليب علاقتها وتحالفها مع الإمارات في ملفات أخرى، بينها اليمن".
وعن سبب وصفه لما حدث بالفضيحة، يوضح "الورد" أن "انقلاب عدن جعل السعودية حليفًا غير موثوق، أي لا تحترم تعهداتها ولا أهدافها المعلنة".
ويستطرد: "وهي فضيحة قانونية لأنها تنسف شرعية تدخل الرياض، وفضيحة سياسية لأنها أظهرت السعودية أمام الدول الأخرى، وبينها إيران، بأنها غير صادقة مع حلفائها، وأن دعم (السلطة) الشرعية هي مجرد شماعة لتدخلها باليمن لأهداف أخرى".
ويستدل بأن "إيران لم تعترف بالحوثيين كسلطة شرعية، ولم تقبل تعيين سفير لهم في طهران إلا بعد الانقلاب الثاني، حين انقلب التحالف على حلفائه بعدن".
** شرعنة غير الشرعي
ويرى "الورد" أن "السعودية تسعى إلى لملمة الفضيحة، عبر تسوية تشرعن ما حصل.. وأيًا كانت بنود الاتفاق فإن مجرد إشراك المجلس الانتقالي في الحكومة يضفي شرعيةً عليه وعلى ما ما قام به".
ويتابع: "مجرد القبول بكل من يحمل السلاح ويملك القوة ويفرض أمرًا واقعًا والتنازل له بمكاسب سياسية ومناصب وإشراكه في السلطة، يعتبر اعتراف به ككيان شرعي، مع أنه في الأصل غير شرعي".
ويعتقد الكاتب أنه "كان على السلطة الشرعية ألا تخضع لمنطق القوة والابتزاز؛ لأنه سيُطلب منها أن تقبل بما يطالب به الحوثيون (..) قرار مجلس الأمن 2216 يطالب الحوثيين، كسلطة غير شرعية، بالانسحاب من المدن، وتسليم السلاح لصالح السلطة الشرعية، التي تشترط تنفيذ تلك المطالب للدخول في تسوية".
ويتساءل مستنكرًا: "طالما الانتقالي فرض ما يريد في الاتفاق المزمع بجدة، وهو يسيطر على محافظتين، فكيف بالحوثي وهو يسيطر على محافظات عديدة، وكم سيبقى نصيب الشرعية في أية حكومة أو سلطة قادمة؟!".
ويصف الورد ما حدث بأنه "أمر خطير.. السعودية متفقة مع الإمارات على أية صيغة يتم الإعلان عنها لاحقًا.. وأيًا كانت صحة التسريبات المتداولة، فإن الانتقالي سيكون جزءًا من أية حكومة قادمة".
ويمضى قائلًا: "الشرعية تتفتت تدريجيًا لصالح القوى التي تفرض نفسها بالقوة.. والسعودية تسعى لتغطية الفضيحة بشرعنتها قانونيًا حتى تغطي على الإمارات وتخرجها من هذه الورطة القانونية".
ويحذّر من أنه "قد يحدث أن يهيمن الانتقالي على أغلب المحافظات الجنوبية، ولأن المجلس يمتلك مشروًعا واضحًا هو الانفصال، فسيستمر في المزيد من السيطرة والسلطة، ويحدث الانفصال الواقعي العملي تحت غطاء الشرعية، وليس القانوني، وهذا ما تسعى إليه الدولتان".
ويتهم المجلس الانتقالي الحكومات المتعاقبة بتهميش الجنوب ونهب ثرواته، وهو ما نفاه مسؤولون يمنيون مرارًا.
** لا معركة ضد الحوثيين
ووفق الكاتب اليمني فإن "أي اتفاق بين الحكومة والمجلس الانتقالي قد يؤدي من الناحية الشكلية، كما يقول التحالف، إلى لملمة الشرعية لمواجهة الحوثيين".
ويستدرك: "لكن عمليًا لم تعد هناك معركة حقيقية من جانب التحالف ضد الحوثيين، فمعظم جبهات القتال متوقفة، والسعودية لا تحرك إلا جبهات (محافظة) صعدة (شمال)، حيث تسعى من خلالها إلى رسم منطقة عازلة على حدودها مع اليمن، وهي فاشلة حتى الآن في هذا المسعى، بدليل ما حصل في كتاف (هجوم للحوثيين) مؤخرًا، وفشل مشروع توغلها في اليمن 30 كم".
ويفسر الورد "إعلان السعودية قبول الهدنة التي أعلنها الحوثيون، ومؤشرات الوساطة التي تقوم بها باكستان وغيرها مع إيران، لحلحة الملف اليمن"، على أنها "أدلة إضافية على عدم جديتها.. لم تعد هناك معركة حقيقية ضد الحوثيين".
ويعتبر أن "جمع أكبر عدد من الفصائل المناوئة للحوثيين في حكومة واحدة من الناحية الشكلية والعلنية أمر جيد وإيجابي، لكنه لا يعني بالضرورة أنه سيتم توحيد صفوف تلك الفصائل في العمل العسكري؛ فهذا مرتبط بالتحالف، الذي لم يعد لديه جدية".
** دور الإمارات
ويرى مراقبون أن سعي السعودية إلى إدماج المجلس الانتقالي في الحكومة هي محاولة لقطع الطريق على الإمارات التي تمتلك أجندة خاصة في اليمن.
لكن "الورد" يعتبر أن "هذا غير صحيح.. فالإمارات بإعلان انسحابها جزئيًا من اليمن غيّرت استراتيجيتها بعد استدارتها نحو إيران، إثر إسقاط (طهران) الطائرة الأمريكية المسيرة في أجواء الخليج.. إيران أبلغت الإمارات بأنها تجاوزت الخطوط الحمراء وأصبحت مصدر تهديد لأمنها القومي وعليها التوقف".
ويتابع أن "تطور الإمارات الاقتصادي وأمنها مرهون بالتوقف عن معادة إيران، فالإمارات غير قادرة على تحمل كلفة أي صدام مع إيران".
ويستطرد: "حكام الإمارات أقروا التهدئة مع إيران، وتمخض عن ذلك زيارة وفد إلى طهران والتوصل إلى تفاهمات جرى بموجبها انسحاب قوات إماراتية من (محافظة) الحُديدة (غربي اليمن) التي كانت أبو ظبي مسؤولة عن ملفها ومعنية بتحريرها من الحوثيين، ثم تخففت من الساحل تدريجيًا، وبعدها أعلنت الانسحاب شكليًا أو كليًا من عدن".
ويجزم "الورد" بأن "مواجهة الحوثي لم تعد أولوية لدى الإمارات، بل الانسحاب التدريجي، ثم إيصال حلفائها المجلس الانتقالي إلى الحكومة، ليكونوا جزءًا من كيان شرعي بأية مفاوضات قادمة".
** فرص النجاح
ويكمل "الورد": "تنفيذ الاتفاق (في حال التوصل إليه) مرهون بعوامل، أبرزها مدى التزام أطراف الاتفاق بتنفيذه، وجدية أصحاب القرار الحقيقي.. السعودية والامارات".
ويتوقع أن "النجاح ممكن ما لم تحدث مشاكل وعراقيل، كما حدث في اتفاق السلم والشراكة مع الحوثيين، سبتمبر (أيلول) 2014".
ويختم الكاتب اليمني بالتحذير من أنه في هذه الحالة "سيذهب اليمن إلى حرب أطول وأعنف، وتصبح كل الاحتمالات واردة".