إعادة الانتشار الأحادي للحوثيين بالحديدة: اختراق أم مناورة تسبق جلسة مجلس الأمن؟
بعد أشهر من الأخذ والرد، دون تحقيق تقدمٍ على صعيد تنفيذ اتفاق إعادة الانتشار في مدينة الحديدة اليمنية، جاء إعلان الحوثيين، عن بدء تنفيذ الاتفاق بشكل أحادي أمس السبت، وترحيب رئيس فريق المراقبين الدوليين مايكل لوليسغارد بالخطوة، ليطرح العديد من التساؤلات حول توقيتها وأهدافها، لا سيما أن الحوثيين، كانوا واضحين طوال الأشهر الماضية بشأن عدم وجود أي نية لديهم للتعاون تحديداً في ما يتعلق بتسليم ميناء الحديدة، واعتادوا منذ توقيع اتفاق استوكهولم المناورة لعدم الانسحاب.
كما أن التطورات الميدانية في عدد من الجبهات المشتعلة خارج الجديدة، وتحديداً في الضالع تسير لصالحهم، ما ينفي احتمال محاولة الحوثيين تخفيف الضغط عنهم.
واللافت أن الحوثيين اختاروا الإعلان عن نيتهم تطبيق إعادة الانتشار قبل انعقاد مجلس الأمن الدولي لمناقشة المستجدات الخاصة باليمن بالتزامن مع مرور ستة أشهر على اتفاق السويد، يوم الأربعاء المقبل، وهو ما جعل الشرعية اليمنية تبدي شكوكاً في جدية الحوثيين، وتصف ما يجري بمحاولة التضليل و"المسرحية الهزلية".
أما الأمم المتحدة فاكتفت حتى ساعات ظهر أمس بتأكيد مصدر فيها لوكالة "فرانس برس" أن "الأمم المتحدة بدأت مراقبة هذه الخطوة أحادية الجانب"، مشيراً إلى أنها تأمل "أن تكون قريباً في موقع يسمح لها بإبلاغ مجلس الأمن عن تحركات حقيقية على الأرض"، بعدما رحب لوليسغارد بالخطوة وأعرب عن أمله في أن يلتزم الحوثيون بمواصلة إعادة الانتشار، والتي من المتوقع أن تتم على مدار ثلاثة أيام.
وبدأ الحوثيون أمس، عملية إعادة انتشار أحادية الجانب من ميناء الحديدة (الميناء الرئيسي في المدينة)، وميناءي الصليف ورأس عيسى (الأول خاص بالسفن الكبيرة والأخير بالوقود)، على أن تتولى بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، عملية المراقبة لـ"إعادة الانتشار"، والتي ستستمر حتى يوم الثلاثاء المقبل، أي أنها ستنتهي قبل يوم واحدٍ من الجلسة المرتقبة لمجلس الأمن، التي ستناقش التقدم المحرز أو عدمه.
ونقلت قناة "المسيرة" الفضائية التابعة للجماعة، عن عضو فريق الحوثيين في لجنة التنسيق وإعادة الانتشار، العميد محمد القادري، قوله "نفذنا ما علينا من التزامات المرحلة الأولى لإعادة الانتشار". وأشار إلى أن ما جرى "خطوة للسلام وهي مبادرة وجهت بها القيادة السياسية نأمل أن يتلقفها الطرف الآخر وينفذ ما عليه من التزامات"
وسبق ذلك تأكيد القيادي البارز في "أنصار الله"، محمد علي الحوثي، في تغريدة فجر السبت، على نية الجماعة تنفيذ "الانسحاب أحادي الجانب". مع العلم أن الحوثي نفسه سبق أن قال في شهر مارس/آذار الماضي، خلال مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس"، إن "الحكومة فهمت اتفاق السويد خطأ" وإن سيطرة الحوثيين "ستستمر على الحديدة"، مشيراً إلى أنها "لم تستطع الحصول على (ميناء الحديدة) بالقوة ولن تسيطر عليه بالحيل".
في المقابل، اعتبر محافظ الحديدة المعين من قبل الشرعية، الحسن الطاهر، في تصريحات صحافية أن "اتفاق إعادة الانتشار نص على إزالة الألغام وعدم الاقتصار على الانسحاب"، واصفاً ما يجري بأنه "محاولة تغطية على فشل (المبعوث الأممي مارتن) غريفيث". وأضاف "الحوثيون ينفذون مسرحية جديدة في الحديدة بتسليم ميناء الحديدة والصليف ورأس عيسي لأنفسهم بدون رقابة أممية او من الجانب الحكومي حسب آلية الاتفاق".
بدوره، وصف وزير الإعلام في الحكومة اليمنية، معمر الإرياني، العرض الذي قدمته جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ببدء "إعادة الانتشار" من جانب واحد في موانئ الحديدة غربي البلاد، بأنه "غير دقيق ومضلل". وأوضح الإرياني، بتغريدات بحسابه على موقع تويتر، أن العرض "استنساخ لمسرحية تسليم المليشيا ميناء الحديدة لعناصرها"، في إشارة إلى ما سبق أن أعلن عنه الحوثيون قبل شهور، من تسليم ميناء الحديدة لقوات تابعة لهم. وشدد على أن أي انتشار أحادي لا يتيح مبدأ الرقابة والتحقق المشترك من تنفيذ بنود اتفاق السويد، هو مراوغة وتحايل لا يمكن القبول به. وفيما رحب "بأي خطوة جادة نحو تنفيذ اتفاق السويد بشأن إعادة الانتشار في موانئ ومحافظة الحديدة"، حذر "من محاولات المليشيا تضليل المجتمع الدولي ومجلس الأمن قبل انعقاد جلسته القادمة والحيلولة دون اتخاذ موقف حازم أمام استمرارها في عرقلة تنفيذ بنود اتفاق السويد وتقويض جهود الحل السلمي"، على حد وصفه.
وأشار الإرياني إلى أن اتفاق الحديدة في المرحلة الأولى، يشمل خطوتين: الأولى من قبل الحوثيين بالانسحاب من موانئ الصليف ورأس عيسى وتسليم خرائط الألغام للأمم المتحدة ونزع الألغام والمتفجرات وإزالة المظاهر المسلحة وإجراء الرقابة والتحقق واستمرار الرقابة، فيما الخطوة الثانية تشمل انسحاب الحوثيين من الميناء الرئيسي في الحديدة وانسحاب القوات الحكومية من مثلث "كيلو 8"، وتسليم الخرائط ونزع الألغام.
من جهته كشف رئيس الفريق الحكومي في لجنة التنسيق وإعادة الانتشار، أو لجنة تنسيق إعادة الانتشار، اللواء صغير عزيز، أن "الحكومة أبلغت لوليسغارد في أكثر من رسالة موافقتها على البدء بتنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق الحديدة"، مضيفاً أن "أي انتشار أحادي من دون رقابة وتحقّق مشترك، يعتبر تحايلاً على تنفيذ الاتفاق ومسرحية هزلية كسابقاتها وسوف يعري الأمم المتحدة"، في إشارة إلى أن الحوثيين سبق وأعلنوا أواخر العام الماضي، عن بدء إعادة الانتشار من ميناء الحديدة من طرف واحد، فقاموا بتسليم الميناء إلى قوات موالية لهم، إلا أن رئيس فريق المراقبين الدوليين السابق باتريك كاميرت، تحفّظ عن الاعتراف بتلك الخطوة، وشدد على أهمية أن تتأكد الأمم المتحدة والأطراف المختلفة من تماشي أي خطوة على هذا النحو، مع اتفاق استوكهولم.
وجاء الموقف الحكومي بتفصيل أوضح على لسان عضو الوفد المفاوض عسكر زعيل، الذي ذكر أن "الجانب الحكومي يؤكد مجدداً موقفه الواضح في موافقته على تنفيذ المرحلة الأولى بمفهوم العمليات المتفق عليه"، مؤكداً ألا "قبول بأي إجراء أحادي الجانب لا يلتزم أو يخضع للرقابة بموجب القرارات الأممية". وأوضح زعيل أن "مفهوم العمليات الذي أشار إليه في الاتفاق، يتضمن قيام الحوثيين بالانسحاب من جميع الموانئ تحت رقابة وإشراف لجنة إعادة الانتشار المشتركة من الحكومة اليمنية والأمم المتحدة والحوثيين، وفقاً لما جاء في قراري مجلس الأمن 2451 و2452 الصادرين بشأن اليمن بعد الاتفاق". ولفت إلى أن "اتفاقاً جرى التوصل إليه أو التفاهم بشأنه في 18 مارس/آذار الماضي، نصّ على أن تبدأ الخطوة الأولى بتنفيذ الاتفاق عبر انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى". واعتبر في الوقت ذاته، إعلان لوليسغارد بمثابة "بدء انسحاب الحوثيين نتيجة ضغط المجتمع الدولي عليهم وعلى إيران طيلة الفترة الماضية"، علماً أن الجزء الأخير في تصريحه يخالف الشكوك التي حملتها مجمل التحفظات الحكومية بشأن الخطوة "أحادية الجانب".
ووفقاً لمصادر في الحكومة اليمنية تحدثت مع "العربي الجديد"، مثّل الإعلان الأممي عن خطوة إعادة الانتشار تطوراً مفاجئاً بسبب ما احتواه من ترحيب غير مسبوق بخطوة أحادية الجانب، أعلن عنها الحوثيون وطال الأخذ والرد بشأنها، لكنه لم يكن مفاجئاً من ناحية التوقيت، إذ يتوافق مع التاريخ الذي حدده اجتماع اللجنة الرباعية المؤلفة من وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات في لندن في 26 إبريل/نيسان الماضي. في حينه، أكد المجتمعون في بيانهم الختامي أنهم "يتوقعون بدء الأطراف تنفيذ اتفاق الحديدة بصورة فورية"، ودعوا الحوثيين على وجه التحديد لـ"إعادة الانتشار من موانئ الصليف ورأس عيسى والحديدة". كما أعربوا عن تطلعهم لمراجعة مجلس الأمن التقدم الحاصل في تطبيق الاتفاق في اجتماعه في 15 مايو/أيار (يوم الأربعاء المقبل)، على أمل أن يكون الاتفاق قيد التنفيذ حينذاك".
ومن أبرز ما تضمنه بيان لوليسغارد الذي جاء قبل ساعات فقط من الموعد المفترض لبدء "إعادة الانتشار"، التشديد "على ضرورة أن تلي هذه الخطوة الإجراءات المُلتزمة والشفافة والمستمرة للأطراف للوفاء الكامل بالتزاماتهم"، وعلاوةً على ذلك وفقاً للبيان، يتعين أن "تسمح عملية إعادة الانتشار الأحادي الجانب هذه بإنشاء دورٍ رائدٍ للأمم المتحدة في دعمِ مؤسسة موانئ البحر الأحمر في إدارة الموانئ وتعزيز مراقبة آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش "يونفيم"(UNVIM) وفقاً للاتفاقية"، في إشارة إلى أن الإجراء الذي يعد الخطوة الأولى منذ إعلان الاتفاق، سيعزز الدور الأممي المباشر في مدينة الحديدة وموانئها. كما حدد الجهة المسؤولة عن الميناء بمؤسسة "موانئ البحر الأحمر"، التي تدير الميناء منذ تأسيسها لكنها في الأعوام الأخيرة، خضعت للحوثيين. ومن غير الواضح ما إذا كانت الآلية الأممية بدعم المؤسسة ستفضي لجعلها تحت الرقابة والإشراف الأمميين، بعيداً عن خضوعها للحوثيين، أم أن الوضع سيستمر كما هو عليه ببقاء المؤسسة تحت سيطرة الجماعة مع توسيع الدور الرقابي والإشراف لفريق الأمم المتحدة في الحديدة.
من جهة ثانية، قفز الإعلان الأممي على العقبة المحورية في طريق تنفيذ اتفاق الحديدة منذ إبرامه في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي في العاصمة السويدية استوكهولم، والمتمثل في تحديد الجهة المسؤولة عن المواقع المفترض أن ينسحب منها الحوثيون، إذ إن الحكومة تشدد على أنها الطرف المعني باستلام الموانئ والمدينة وأن يجري التسليم لمسؤولي السلطة المحلية والموظفين المعينين قبل سيطرة الحوثيين أواخر 2014، لكن الخطوة الأممية تتجاوز ذلك، إلى شرط أساسي يتمثل بتعزيز الرقابة والإشراف الأمميين بهذه الأجزاء الحيوية وانسحاب القوات العسكرية للحوثيين من الموانئ على نحوٍ لا ينهي نفوذهم في المناطق التي تجري "إعادة الانتشار" فيها بالضرورة. ويمثل هذا الأمر التفسير المنطقي لعدم تضمن إعلان الترحيب بخطوة الحوثيين إشارة إلى أي طرف سوف يتسلم الموانئ باستثناء تعزيز الدور الأممي.
يشار إلى أن لوليسغارد وعقب تعيينه رئيساً لفريق المراقبين الدوليين في الحديدة خلفاً للجنرال الهولندي السابق باتريك كاميرت مطلع العام الحالي، جاء بخطة محددة عبر تقسيم تنفيذ اتفاق الحديدة، إلى مرحلتين. تقتضي المرحلة الأولى انسحاب أو إعادة الانتشار لقوات الحوثيين من موانئ الحديدة (الصليف ورأس عيسى أولاً) مسافة كيلومترات عدة، في مقابل تراجع أو إعادة انتشار القوات الحكومية، المدعومة من التحالف من بعض المواقع في المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، على أن تشمل المرحلة الثانية بقية الخطوات التي تنهي التوتر في الحديدة.
وفيما أعلنت الأمم المتحدة منذ فبراير/شباط الماضي، عن موافقة الطرفين على تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، برزت الخلافات لاحقاً في التفاصيل المرتبطة بتسمية الطرف المعني بتسلم المواقع المفترض أن ينسحب منها الحوثيون، وغيرها من الخلافات التفصيلية التي دفعت بالجانب الأممي لتقديم مقترحات معدلة تارة، ودفعت بمفاوضات التنفيذ إلى الجمود تارة أخرى. وكثفت الأمم المتحدة من حراكها قبيل اجتماع مجلس الأمن الدولي الأربعاء المقبل، الذي يأتي أيضاً تزامناً مع مرور ستة أشهر على توقيع اتفاق استوكهولم من دون تقدم.
ويفسّر هذا الأمر رغبة الجانب الأممي بتحقيق أي اختراق يسبق هذا الموعد، وهو ما ظهر في جولة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، أخيراً إلى كل من صنعاء التي أعلن منها استعداد الحوثيين للتنفيذ أحادي الجانب للاتفاق، والرياض. والتقى غريفيث في السعودية نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان (مسؤول الملف اليمني بحكومة بلاده)، ونائب الرئيس اليمني، الفريق علي محسن الأحمر، فيما ترددت أنباء عن اعتذار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عن لقاء المبعوث الأممي.