الرئيسية - المنوعات - متاحف برلين: هل يقف "عرش الشيطان" وراء التخريب؟

متاحف برلين: هل يقف "عرش الشيطان" وراء التخريب؟

الساعة 07:48 مساءً (المهرة اونلاين - العربي الجديد)

في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وفي اليوم الذي وافق مرور 30 عاماً على الوحدة الألمانية، أعيد افتتاح "متحف بيرغامون" في "جزيرة المتاحف" في برلين، بعد إغلاق طويل بسبب فيروس كورونا، ليتمكن ما يقرب من ثلاثة آلاف زائر من زيارته لأول مرة منذ شهور، ورؤية التوابيت المصرية الشهيرة عالمياً، وقطع الفن الإسلامي ولوحات القرن التاسع عشر التي يزخر بها.

وبدلاً من الاحتفال بعودة المتحف إلى العمل، شوّه مجهولون 68 عملاً أثرياً وفنياً في ثلاثة متاحف كبرى في برلين بمادة زيتية غامضة، في ما اعتبره الإعلام الألماني "أسوأ كارثة فنية تحيق بألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية".

لم يُعلن عن الكارثة إلا بعد 17 يوماً من وقوع الحادث الغامض، إذ كشفت صحيفة "دي تسايت" Die Zeit وإذاعة "دويتشلاند فونك" Deutschlandfunk الألمانيتان، يوم الـ20 من الشهر الحالي، عن الحادث الذي وقع في الثالث من أكتوبر منه. ولم يستبعد المنبران ضلوع اليميني المتطرف أتيلا هيلدمان، الطاهي النباتي المشهور، في الكارثة، بعدما قاد الآلاف من أنصاره منذ بداية 2020 لمناهضة إجراءات الحكومة الألمانية خلال أزمة كورونا، كونه أحد المروجين لنظرية المؤامرة خلف الفيروس، متبنياً مقولات حركة QAnon الأميركية حول الشبكات الشيطانية المكونة من السياسيين الغربيين، واستغلالهم فيروس كورونا لإبقاء المواطنين في منازلهم، ما أدى إلى اعتقاله أكثر من مرة خلال الشهور الماضية بسبب تصريحاته السياسية المعارضة ومعاداته للسامية.

كما نقلت وسائل إعلام غربية على لسان مديرة المتاحف الحكومية في برلين،كريستينا هاك، قولها إن "68 قطعة فنية وأثرية لا تقدر بثمن في المتاحف الثلاثة قد تأثرت بسائل زيتي غامض، وقد توصلت الشرطة إلى فك مكوناته حالياً".

كما كشفت وسائل الإعلام أن أغلب القطع الفنية والأثرية المتضررة من الهجوم بالسائل الزيتي كانت في ثلاثة متاحف كبرى، هي: "بيرغامون" و"ألتي ناشيونال غاليري" و"نيوس"، ويضم الأخير تمثالاً نصفياً شهيراً للملكة الفرعونية نفرتيتي.

وشمل التشويه عدداً من التوابيت المصرية والمنحوتات والاكتشافات الأثرية ولوحات القرن التاسع عشر.

"عرش الشيطان"

لطالما هاجم أتيلا هيلدمان، أحد مؤيدي الرايخ الثالث لهتلر، "متحف بيرغامون" الشهير، في تظاهرات اليمين المتطرف المناهضة لإجراءات إغلاق كورونا في ألمانيا، والمعروف أن "متحف بيرغامون" يضم العديد من القطع الأثرية التي تعود إلى مدينة بيرغامون (بيرجاما التركية حالياً).

وسبق أن أشار هيلدمان في تحريضه إلى تحفة ضريح بيرغامون، وهو ضريح ضخم بأجنحة تشبه مساند الذراعين على يسار ويمين الدرج المركزي للمتحف.

وأطلق هيلدمان على المذبح اسم "عرش الشيطان"، وادعى أن "المشهد الشيطاني العالمي ومجرمي فيروس كورونا" يقومون بتضحيات بشرية وطقوس جنسية هناك، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والأميركي بيل غيتس.

كما دعا أنصاره إلى اقتحام البرلمان الألماني، حيث لا يعترف بالجمهورية الفيدرالية الحالية. ووفقاً لهيلدمان، فإن المستشارة الألمانية مجرد أداة للشيطان والصهاينة، ما دفع المتاحف الألمانية إلى تعليق لافتة بعرض خمسين متراً على واجهاتها تقول: "ضد العنصرية ومعاداة السامية والقومية والتحريض".

ومن جهتها، علقت وزيرة الثقافة الألمانية، مونيكا غروترز، على الكارثة قائلة إن متاحف برلين "بحاجة إلى إعادة التفكير في أمنها الداخلي"، خاصة بعد أن سرق مجهولون، في مارس/آذار عام 2017، عملة ذهبية كندية وزنها 100 كيلوغرام من متحف "بود" القريب من "جزيرة المتاحف" في برلين، وهي أحد مواقع التراث العالمي التابعة لـ"يونسكو"، وتضم خمسة متاحف مختلفة أقيمت في أبنية أثرية تعود إلى العصور القديمة والقرن التاسع عشر.

وقد قبض على بعض الجناة وأدينوا بسرقة العملة الذهبية النادرة، لكن العملة لم تُسترد مطلقاً ويفترض أنها صُهرت.

اليمين المتطرف على "تليغرام"

كما أشارت الشرطة الألمانية في تحقيقاتها إلى أن أتيلا هيلدمان يمتلك حساباً على تطبيق "تليغرام"، وهو التطبيق صاحب الشهرة الواسعة في عالم المجرمين لما يتمتع به من حماية فائقة.

ويملك الطاهي ذو الأصول التركية ما يقرب من 100 ألف متابع على هذا التطبيق.

ونقلت صحيفة "دي تسايت" أنه قال في أحد خطبه لأنصاره إن ضريح بيرغامون "هو عرش الشيطان، لذلك ليس من المستغرب أن تقيم الشيطانة أنغيلا ميركل على مبعدة 50 متراً فقط من الضريح".

يشير مصطلح "عرش الشيطان" إلى رسالة من الرسول يوحنا إلى مسيحيي بيرغامون، حيث فرضت عبادة الإمبراطور نيرون بيد من حديد، وحُكم على المسيحي أنتيباس الذي رفض عبادة نيرون بالإعدام.

وفي هذا النص يكتب يوحنا الرسول على لسان الله في "سفر الرؤيا" ما نصه: "أعرف ما تعمل وأعرف أين سكناك، حيث يوجد عرش الشيطان. أنت تتمسك باسمي، ولم تنكر إيمانك بي، ولا حتى في أيام أنتيباس، شاهدي الأمين الذي قُتل معك حيث يسكن الشيطان".

ووفقاً للتقاليد المسيحية، رسم يوحنا الرسول أنتيباس أسقفاً لبيرغامون في عهد الإمبراطور الروماني نيرون. وتقول الرواية التقليدية إن أنتيباس استشهد في عهد نيرون عن طريق حرقه في مذبح على شكل ثور، لإخراج الشياطين التي يعبدها السكان المحليون.

 البحث عن شهود

كان من المدهش أن ترفض الشرطة الألمانية تقديم أي معلومات في المؤتمر الصحافي الذي عقد يوم 21 أكتوبر، مكتفية بالقول إنها تبحث عن مرتكب واحد، لكنها لا تستبعد "أن يكون هناك العديد من الأشخاص الذين شاركوا في تشويه الأعمال الأثرية والفنية التي لا تقدر بثمن".

ووفقًا لكريستينا هاك، مديرة المتاحف الحكومية في برلين: "لم يتضح بعد مدى الضرر الذي أصاب الأعمال الفنية النادرة، لأن الأسطح المختلفة تتفاعل بشكل مغاير مع السائل الزيتي الذي توصلت الشرطة إلى تحليل مكوناته، كما لا توجد أنماط يمكن التعرف عليها، حيث تصرف الجاني أو الجناة بشكل عشوائي، ولم تتضح دوافعهم بعد".

ومن جهتها، كشفت وكالة الأنباء البلجيكية "بيلخا"، أن خلية خاصة للجرائم الفنية من دائرة التحقيقات الجنائية في برلين، تتولى التحقيق في ملابسات الحادث، مشيرة إلى أن الكشف المتأخر عن التخريب من قبل الشرطة كان "لأسباب تكتيكية"، لكن الشرطة تستدعي الآن الشهود الذين قاموا بزيارة المتحف يوم الحادث.

كما كشفت صحيفة "دير تاجشبيجل" الألمانية أنها اطلعت على الرسالة التي وجهتها الشرطة إلى زوار المتاحف الثلاثة يوم وقوع الحادث، وجاء فيها: "هل لاحظتم وجود أشخاص مشبوهين في المتحف يوم 3 أكتوبر؟ هل تعتقدون أن بإمكانكم التعرف على هؤلاء في الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة؟ هل لاحظتم ضرراً على شكل بقع على معروضات فردية أو على الأرض؟ إذا كان الأمر كذلك، متى وأين"؟

المشكلة هي أنه لا يُعرف إلا تفاصيل الاتصال بالزوار الذين حجزوا التذاكر عبر الإنترنت. وعلى الرغم من أن الهجوم لا يزال غامضا، لكن من الغريب أن يقع هذا التشويه الكبير في يوم الوحدة الألمانية، وهو عطلة مزدحمة، من دون أن يلاحظه زوار المتحف أو الحراس. ولم يستطع المؤتمر الصحافي الذي عقدته الشرطة الألمانية صباح 20 أكتوبر إلا أن يجيب عن سؤال واحد فقط: عرش بيرغامون لم يتضرر في الهجوم!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص