مركز دراسات يفضح تكتيكات مليشيات الحوثي الخطيرة في التعامل مع «الهُدن والاتفاقيات» وكيف استخدمته للوصول إلى «صنعاء»
خلصت دراسة حديثة لمركز أبعاد للدراسات والبحوث، إلى أنه دون وجود ضغط عسكري على الحوثيين وتجريدهم من عوامل القوة والأسلحة والدعم والتأثير الخارجي فإن الجماعة لن تذهب إلى مشاورات لصناعة سلام في اليمن، ولن تقبل بتنفيذ أي اتفاق. مشيرة إلى أنه "بدون ذلك ستستمر طويلاً في اليمن مدججة بأسلحتها مؤثرة على المنطقة والإقليم والتجارة الدولية".
ولفتت الدراسة – التي نشرها موقع المركز- إلى أن الأيام الثلاثة الأولى من الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة في اليمن بدءً من يوم السبت الثاني من أبريل الماضي، تستمر لمدة شهرين، أكّدت أن الحوثيين قاموا بالاستعداد لمعارك قادمة من خلال خرقهم للهدنة عشرات المرات، إضافة إلى زيادة التعزيزات مستغلين غياب طيران التحالف، كما قاموا بعمليات حفر الخنادق وبناء المتارس.
ووفقاً للدراسة فإن ذلك "ما يؤكد أن الحوثيين لا يريدون المضي قُدماً في اتفاق سلام لا يضمن انتصارهم الكامل وينظرون إلى الحرب كأداة قادرة على تحقيق أهداف الجماعة بالاستحواذ على اليمن دون مشاركة بقية اليمنيين".
*استغلال لا تنفيذ*
واستعرضت الدراسة تاريخ الحوثيين في التعامل مع الاتفاقات منذ 2004 وحتى الآن. مشيرة إلى أن ذلك "يقلص التفاؤل باحتمال نجاح وقف إطلاق النار وإمكانية أن يؤدي إلى هدنة مستمرة توصل لإنهاء الحرب التي بدأتها في سبتمبر/أيلول2014م".
وقالت إن الحوثيين استخدموا الهُدن والاتفاقيات لزيادة نفوذهم وتمددهم في البلاد منذ بداية تمردهم في 2004 مضيفة أن الحوثيين يلجؤون للاتفاقيات في حالة تعرضهم للضغط الذي يهدد وجود الجماعة، أو في حالة التحوّل في القيادة، أو الحاجة الملحة لاتفاق يحمي عناصرها وتقدمهم، ويؤمن إمدادات السلاح إلى الجماعة.
وذكرت أن جماعة الحوثي تستخدم "الإرهاب الممنهج وإشاعة الخوف، والنُظم القَبلية، والمراوغة السياسية، والوقت للحصول على تلك الاتفاقات؛ لكنها تقوم بالانقلاب عليها ونقضها: مستخدمة القوة المفرطة والضخمة والدفع بقوات كثيفة لتحقيق الهدف الذي من أجل تنقض الاتفاق، والتفسيرات المتضاربة لنصوص الاتفاقيات للتهرب منها، والسلوك الإيراني في المماطلة بالوصول، وإجبار الأطراف الأخرى على انتظاره".
*تأثير إيراني*
وقدمت الدراسة بيانات للاتفاقات المهمة التي قام بها الحوثيون خلال الفترة من (2004-2021) وسلوك الجماعة خلال المفاوضات وتجاه المبادرات بين (2011-2022). وخلصت إلى أنها "تؤكد فرضية قامت عليها بأن الحوثيين ينقلبون بسرعة على أي اتفاق لا يضمن أهدافهم بالهيمنة والسيطرة على كل اليمن".
ووفقاً للدراسة فإن سلوك الحوثيين خلال المشاورات يشير إلى أن "الجماعة تنظر إليها لتحقيق: ضمان لإعلان انتصار كامل للجماعة والحصول على ثلث معطل في أي حكومة انتقالية، مع تنفيذه بشكل صوري لبنود الاتفاق المتعلقة به، برز ذلك بشكل واضح في "اتفاق السلم والشراكة" و"اتفاق ستوكهولم".
وأوضحت أن إيران أصبحت ذات تأثير كبير على الحوثيين وفي قراراته، وتشير مشاورات مسقط الخلفية في 2021 إلى حجم هذا التأثير. كما يوضح وجود إيرانيين خارج مشاورات جنيف 2015 لتقديم الاستشارات للحوثيين جزء من ذلك التأثير.
وأشارت إلى أن الحوثيين يستخدمون "الأحداث الإقليمية والدولية في معاركهم، وفي طريقة تنفيذهم للاتفاقات". كما يستغلون "عدم فِهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لهم إلى فرض أجندتهم، ومضي "مراوغتهم السياسية" دون محاسبة أو عِقاب. لافتة إلى أن ذلك ظهر "بوضوح خلال تحرك الحوثيين من صعدة إلى صنعاء، وفي أزمة "الناقلة صافر"، وفي تنفيذ اتفاق الحديدة".
*ثلاث مراحل*
وتشير دراسة "أبعاد" إلى ثلاث مراحل متعلقة بالاتفاقات التي وقّعتها جماعة الحوثي ومن ثم انقلبت عليها، الأولى خلال الحروب الست التي خاضتها ضد الدولة في صعدة بين عامي (2004- 2010)، استخدموا فيها "تكتيكات متعددة في الاتفاقات لتتكيف مع التحوّل الذي كانت تعيشه الجماعة مع التأسيس ثم التحضير لقيادة جديدة، ثم تأمين نفسها من هجمات الجيش والقبائل الموالية له، وتأمين مصادر وصول السلاح".
ووفقاً للدراسة فإن الحوثيين استغلّوا "الاتفاقات في تلك المرحلة لبناء المتارس وحفر الخنادق، والتجنيد للمزيد من المقاتلين من المحافظات الأخرى، والتهيئة للتمرّد في المناطق القريبة من صنعاء. ومن ثم مهاجمة السعودية لتطمين الإيرانيين بأنهم يواجهون خصمهم الإقليمي، وإثارة تعاطف السكان المحليين أنهم يتعرضون للاعتداء.
والمرحلة الثانية، بين 2011-2014م، حيث استخدم الحوثيون "تكتيكات متنوعة بين اتفاقات لـ"عدم الاعتداء" بينها والقبائل بهدف عزل القبائل القوية وضربها بشدة دون نصرة من القبائل الأخرى. كما استغلوا أحداث 2011 للسيطرة على صعدة وعزلها عن بقيّة البلاد. وخلال العامين اللاحقين قاموا بتأمين وصول السلاح من إيران عبر ميناء ميدي في حجة إلى صعدة.
وتميّزت هذه المرحلة، وفقاً للدراسة، بمراوغة الحوثيين، وعدم إشارتهم إلى الأهداف الرئيسية وأكدوا مراراً أن هدفهم ليس السلطة أو الحكومة أو الدولة أو القبيلة حتى تعزل أهدافها اتباعاً، حيث زعموا في البداية أنهم "يواجهون فقط السلفيين الأجانب في دماج، ثم القبائل التي تهددهم، ثم الهدف "عائلة الأحمر" وليس قبيلة حاشد، ثم الهدف ليس عمران بل تغيير المحافظ وقيادة اللواء 310 مدرع وليس حزب الإصلاح أو قبائل عمران. وقامت معظم الاتفاقيات على أساس هذه المبررات لكن سرعان ما نقضها الحوثيون مع تلك القبائل وبدأوا بمهاجمة مناطقها بسرعة.
وأوضحت الدراسة أن معظم الاتفاقات التي عقدها الحوثيون مع القبائل ومنها ما عرف باتفاقية "الخط الاسفلتي" كان هدفها تحريك قواتهم من معقلهم في صعدة إلى عمران وصنعاء ثم باقي المحافظات دون أي اعتراض.
كما استخدموا أيضاً المشاركة في الحوار الوطني للحصول على اعتراف دولي بكونهم مكون أساسي في البلاد، ووافقوا على مخرجات الحوار لكنهم انقلبوا على ذلك ورفضوها، واستخدموها كمبرر لإسقاط الحكومة والدولة في البلاد.
وبعد اجتياحهم للعاصمة صنعاء والسيطرة عليها في سبتمبر 2014، توصل الحوثيون إلى اتفاق السلم والشراكة "الذي فرضوه على الأطراف السياسية والرئيس اليمني لكنهم سرعان ما نقضوا بنوده مجتمعة، وأرادوا إدارة البلاد من خلف الرئيس عبدربه منصور هادي".
وبعد سيطرتهم على صنعاء نقض الحوثيون معظم اتفاقاتهم مع القبائل التي تقضي بعدم دخول مناطقها، وشنوا حملات اعتداء على القبائل والسيطرة على مناطقهم وتفجير منازلهم ومساجدهم والبنية التحتية وتدمير أملاكهم وتهجير عائلاتهم وإعدام قادة القبائل تلك.
والمرحلة الثالثة – وفق الدراسة - بعد عمليات عاصفة الحزم في مارس 2015، حيث استخدم الحوثيون "تكتيكات متعددة، تضمن تمددهم في مناطق القبائل وتجييرها لصالحهم. وخلال هذه المرحلة، تقول الدراسة إن الحوثيين عملوا على "منهجية إلغاء دور شيوخ القبائل وقاموا ببناء كيانات موازية، بين ذلك "ميثاق الشرف القبلي" الذي بدأوا في جمع توقيعات منذ 2015 وبدأوا بتنفيذ إجراءاته في 2019، بدلاً من أي اتفاقات أخرى مع القبائل. واعتبرته الدراسة مبرراً لـ"عزل شيوخ القبائل الذين لا تريدهم بتهم الخيانة وهو "ينقض الاتفاقات السابقة مع شيوخ القبائل والي يقضي بأن يديروا مناطقهم دون تدخل الحوثيين ولا تقوم القبيلة ككيان بالتجنيد.
وخلال هذه المرحلة انفرط عقد تحالف الحوثيين مع الرئيس السابق صالح الذي قتلوه نهاية 2017م، واستهدفوا بعدها أنصاره وأعضاء حزب المؤتمر، ووفقاً للدراسة فإن هذا يعني حرفياً "تطهيرهم من المؤسسات". ويكشف مدى "الانتقام" الذي يمكن أن تقدم عليه الجماعة.
وبالتزامن، خاضوا جولات مفاوضات ومشاورات بين جنيف وظهران الجنوب، والكويت واستكهولم، ومشاورات أخرى خلفية في مسقط، وتوصلت إلى اتفاقين "ظهران الجنوب" و"ستوكهولم"، لكن الجماعة نقضت كل تلك الاتفاقات بالصواريخ و"المراوغة السياسية"، والتي تتزامن عادة مع أحداث إقليمية ودولية، وخروجها من حالة الضغط العسكري في الجبهات.
*رفض مشاورات الرياض*
وقالت الدراسة إنه في مارس 2022 قدم مجلس التعاون الخليجي دعوته للأطراف اليمنية إلى حوار يمني-يمني في الرياض، وفيما استجابت الأطراف اليمنية رفض الحوثيون. وفسّرت الدراسة هذا الرفض بأنه "استجابة لإيران التي تعوّل على مشاوراتها الخاصة مع الرياض في مقايضة الملف اليمني بملفات أخرى". رغم أن وجود مبادرة من دول مجلس التعاون يساعد اليمن بشكل كبر.