في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
فقد رحل عن هذه الدنيا علَم من أعلام علماء اليمن، وقامَةٌ منيفة من قامات الجهاد الدعوي والتعليمي والتربوي، ورائد من رواد الجيل إلى طريق الله الحكيم الجليل - جل وعلا.
وعمود أساس من أعمدة بنيان العمل الإصلاحي الإسلامي الجماعي الراشد في يَمَنِ الإيمان والحكمة والفقه، ومؤسساته المجتمعية العلمية والدعوية الواعية والنافعة للمجتمع اليمني، وكان صالحاً وحكيماً من صلحاء اليمن والعالم الإسلامي ومن المصلحين الموفقين في القرنين العشرين والواحد والعشرين، (إنه الشيخ الوقور العالم المجاهد والداعية المؤثر والخطيب المفوّه / عبد المجيد بن عزيز الزنداني).
وقد كان ينتمي إلى الحركة الإسلامية الإصلاحية التجديدية الراشدة التي تنهل من بحر زاخر لا ينفد الكتاب الحكيم والحكمة النبوية)، والتي امتدادها الطبيعي التجمع اليمني للإصلاح.
ولم يأل جهداً في حماية سفينة موكب الحركة الإصلاحية من الخرق والاختراق ما وَسِعَهُ الجهد مع إخوانه ورفاقه حتى وافاه الأجل وهو على ذلك، فجزاه الله عن إخوانه وعن وطنه وعن المسلمين خير الجزاء.
وللشيخ الماجد / عبد المجيد (رحمه الله تعالى رحمة الأبرار مَنَاقِبُهُ الجَمَّة: فقد كان كريماً سخياً تقياً وفياً رجاعاً إلى الحق متى أبان عنه الدليل، وإلى الصواب متى أسْفَرَ عنه البرهان لا يكابر.
وكان خافض الجناح للمؤمنين من إخوانه وغيرهم ولتلاميذه، ومحباً وساعياً لوحدة العمل الإسلامي ووحدة اليمن ووحدة العالم الإسلامي ما وَسِعَه الجهد، وكان نِعمَ رَجُل المودة والإخاء والمروءة والوفاء، ودماثة الأخلاق، يحترم الشورى والعمل الجماعي الراشد المتعاون البار.
وكان حسن الرؤى والآراء لحل المشكلات الخاصة والعامة وتذليل الصعوبات لتحقيق أهداف الأمة اليمنية وطموحاتها وفق المنظور الإسلامي.
وكان سهلاً عفيفاً حيثما حَطَّتْ رِحَالُهُ في الأعمال والمناصب، والتكاليف، ثابتاً مناصراً فاعلاً في القضايا الوطنية والإسلامية.
وكان يحترم شتى المدارس العلمية السابقة واللاحقة المشتقة مَنَاهِجُهَا من الوحيين الكتاب والسنة).
وكان قلبه عامراً بحب الإسلام والعمل على نشره حيثما حلَّ، وَنَشْر ما يعلمه من الكتاب والسنه) وكان ذَا هِمَّةٍ عالية في ذلك.
وقد ألقَتْ مُؤَلَّفَاتُهُ في علم التوحيد المُقَرَّرَة في مناهج التعليم العام ردماً على شُبهات الإلحاد في أذهان طلاب المدارس.
وله بصمات شاهدة على ما بذل من جهود إصلاحية لا يُنكرها إِلَّا مُكابر مُتَعَسِّفٌ غير منصف.
وكان رحمه الله تعالى ذا ذاكرة قوية وعارضة سريعة، وكان يخوض حوارات واسعة مع الكثير من الشباب والشيوخ مِمَّنْ أُصِيبُوا بِآفَاتِ الشُّبُهَاتِ فِي أَيام شَبَابِهِ وفي شيخوخته حتى ينتهي مَعَهُم بالقناعة أو الحجة والإعذار إلى الله جل وعلا.
وأَمَّا مَنْ عَابَهُ مِنْ أهل الإفتراء القداحين في عمله ومَسْلَكه فقد انطلقوا في افترائهم الكذب عليه إما من عداوة وبغضاء، أو من إسراف وإسفاف، إذ لم يكونوا من أهل الإنصاف ولا من أهل الأدب في الاختلاف، فهم ليس لهم حلوم تنهاهم عن منكر القول والإرجاف.
وقد أسهم في إرساء قواعد ثورة سبتمبر وتشييد بنيان النظام الجمهوري وفي صياغة دستور الدولة اليمنية بمراحلها المتعاقبة.
وقد شغل (رحمه الله) مناصب عدة في الدولة آخرها عضواً في مجلس الرئاسة ممثلاً عن التجمع اليمني للإصلاح.
ولم يأل جهداً في إحسان القيام في خدمة الوطن والمواطنين ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فجزاه الله خيراً عن وطنه والمواطنين.
وقد كتب الله عز وجل للشيخ عبد المجيد (رحمه الله) الذيوع والانتشار بين أهل العلم والمعرفة في أنحاء العالم الإسلامي في الجملة، فأرجو الله تعالى أن تناله دعوات الصالحين منهم براً بجهوده التي خدم بها الإسلام والمسلمين.
وما أحْسِبُ التَّرَابَ الذي واراه سوف يطمس أثَرَهُ وإرْثَهُ العلمي والدعوي من أذهان وقلوب محبيه وإخوانه وأبناء دعوته وأبناء صلبه، فقد طويت صفحة مشرقة حافلة بالعطاء والخير الذي لا ينسى.
(وبعد: فهذا هو الشيخ الوقور العالم الداعية المجاهد، والخطيب المفوه، والسياسي الحكيم/ عبد المجيد بن عزيز الزنداني أبو عبد الله رحمه الله)، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً من خَلْقِهِ).
وقد بادر إلى لقاء ربه - جل وعلا - ثابتاً على طريق الحق متمسكاً بحبل الله المتين خارج وطنه مهاجراً ومجاهداً على طريق من سبقه من المجاهدين السابقين من أهل الذكر من أهل اليمن وغيرهم، وهم سائرون في أرض الله التي وضعها للأنام يُبصّرون البشرية طريق ربهم - جل وعلا - كأبي أيوب الانصاري رضي الله عنه وكبير التابعين أويس القرني رحمه الله وآخرون كثير.
أسأل الله - سبحانه وتعالى أن يُحسن استقباله في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
...
وقد زرته مع إخوة كرام حين اشتد به المرض، فرأينا وجهاً باسماً وقلباً صابراً ومحتسباً رغم الألم الذي كان يعانيه، فزدنا حزنًا عليه لما أصابه ودعونا الله عز وجل له بالدعاء المأثور، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأن يُبارك في عمره، وقد غابت عن أعيننا رُؤْيَتُهُ ولكنه لم يغب عن قلوبنا، وها أنا أفقد جزءاً غالياً مهماً من قوام حياتي الدعوية والعلمية بموته (رحمه الله).
غادر (رحمه الله) دار عمل الصالحات المؤقتة إلى دار الجزاء الأوفى الدائمة، وترك وراءه من يمُدُّ مِن عُمر أعماله الصالحة زملاءه وإخوة محبين أوفياء، ظاهرين وأخفياء، وأبناء دعوته وأبناء صلبه الفضلاء، يواصلون الأشواط لخدمة الإسلام والمسلمين سائرين على الطريق الذي شرع الله عز وجل - السير فيه لعباده، وأرسل به رسله الذين ختمهم بمحمد الذي جاء بأكمله وأتمه وأنزل به كتبه وختمهم بالكتاب المهيمن على ما سبقه من الكتب وعلى ما لحقه من المناهج والدساتير والقوانين البشرية وعلى طريق الصلحاء والمصلحين السائرين على الأثر ابتداء من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين وعلى طريق من نهج طريقهم في العمل الإسلامي الجماعي الإصلاحي الذي أستقل وسائِرَ زملائه سفينة موكبهم في القرنين العشرين، والواحد والعشرين جادين مجددين حتى يأتيهم اليقين راشدين ومرشدين صالحين ومصلحين غير مبدلين ولا محرفين ولا منحرفين.
واعلم أنه إذا قضى الأشخاص نَحْبَهم فالمنهاج الذي نهجوه رسالة وسيرة رسول باق بحفظ ربهم الحافظ العليم - جل وعلا.
وصدق الله - جل وعلا - القائل: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْنِ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ، وغيره صلى الله عليه وسلم من اتباعه من باب أولى.
(فاللهم حسن العَمَل وبلغ الأجل، وارحم من انتقل ووفق من بَقَيَ لِأَحْسَنِ عَمَل).
بقلم الفقير إلى الله العزيز / ياسين بن عبد العزيز