هل يبدأ العد التنازلي.. تصاعد الأصوات الحكومية الرافضة للتغول الإماراتي في اليمن
تكشف الدور الإماراتي يوماً بعد يوم في اليمن، منحرفاً عن المسار المعلن في بداية التدخل العربي الذي قادته السعودية في مارس/آذار 2015، فحكومة أبوظبي التي شاركت بثاني أكبر قوة في التحالف، لم تكتفِ بسيطرتها الفعلية على معظم المناطق المحررة، وتشكيل سلطات موازية للحكومة الشرعية، ومنازعتها السيادة، بل تتجه اليوم إلى تصفية كبار المسؤولين في اليمن الذين انتقدوا سياساتها الخاطئة.
هكذا ألمح وزير الدولة أمين العاصمة عبد الغني جميل، إلى ما يمكن أن تصل الأمور بينه وبين الأمارات، على خلفية انتقاده سياساتها الخاطئة، والتي كان أخرها اتهامه سلطات أبوظبي بشكل غير مباشر، بأنها تقف خلف انعقاد اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الجناح الموالي للحوثيين في صنعاء.
قال عبدالغني جميل، وهو عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر وقيادي بارز في الحزب، إضافة إلى كونه وزيراً في الحكومة الشرعية وأميناً للعاصمة صنعاء، إن من دعم وخطط ونسق لانعقاد اللجنة الدائمة في صنعاء هو نفس الطرف الذي وقف ضد انعقاد مجلس النواب في عدن، وإشهار الائتلاف الجنوبي.
وأضاف جميل أن ما حدث "ليس حباً في احمد علي" نجل الرئيس السابق المقيم في الإمارات والذي اختاره المؤتمر الموالي للحوثيين في صنعاء نهاية الاسبوع الماضي، نائباً لرئيس الحزب.
وحالت الإمارات عبر المجلس الانتقالي وقوات الحزام الأمني الموالية لها، دون انعقاد البرلمان في مدينة عدن، وحتى مدينة المكلا عاصمة ساحل حضرموت، قبل أن تتمكن الحكومة الشرعية من عقده في ابريل الماضي بمدينة سيئون عاصمة وادي حضرموت التي لا تخضع لسلطات القوات الإماراتية أو التشكيلات المسلحة الموالية لها.
ولم يمضِ على انتقاد وزير الدولة أمين العاصمة الضمني للإمارت، واتهامها بالوقوف خلف اجتماع المؤتمر برعاية الحوثيين في صنعاء، سوى 48 ساعة لينشر عبر صفحته في الفيسبوك نتيجة منشوره السابق "إذا قلت للإمارات لا هذا مَش صح اللي تعملوه هذا خطأ فتوقع واحدة من ثلاث، إما السعي لإقالتك بشتى الوسائل أو تمنع من دخول عدن بحجه أنك إصلاحي".
ولم يستبعد جميل أن يتطور الأمر إلى مقتله واغتياله "أو ربما يتطور الامر لتصفيتك تحت عدة ذرائع" حسب ما جاء في منشور على صفحته في الفيس بوك.
التغول الإماراتي زاد عن حدة
ليس أمين العاصمة ووزير الدولة، الوحيد في الحكومة المعترف بها، الذيبدأ يرفع صوته ضد تغول الإمارات في الملف اليمني، فقد سبقه إلى ذلك عدة مسؤولين، أبرزهم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية المهندس أحمد الميسري، والذي أثارت تصريحاته خلال لقاء عدن التشاوري يوم السبت الماضي، موجة غضب وردود واسعة في أوساط النشطاء الإماراتيين والمحسوبين عليهم من أتباع المجلس الإنتقالي الجنوبي.
وجاء الرد الأقوى من الدائرة المقربة من ولي عهد أبو ظبي، حيث تهكم الدكتور عبدالخالق عبدالله، استاذ العلوم السياسية بالإمارات، على تصريحات الميسري، ومطالبته بإعادة النظر في علاقة التحالف بالشرعية، بعبارة تحمل في دلالاتها السناريوهات الثلاثة التي قال عبدالغني جميل إنه يتوقعها بعد قوله لا للإمارات.
هدد عبدالخالق عبدالله الوزير الميسري قائلاً "هناك حدود للصبر" واتهم المسيري أنه "جاحد وناكر للجميل" وقالت إن "هذه ليست اول مرة يتهجم معاليه على من يبذل الغالي والنفيس دفاعاً عن الشرعية وعوناً للشعب اليمني".
واتهم مستشار محمد بن زايد، وزير الداخلية اليمني عبر تغريدة على حسابه الموثق بتويتر، بأنه يسعى من خلال تصريحاته "لإضعاف التحالف وهو الذي يعيش في حمايته"، مضيفاً "ربما الأفضل له ان يعيش الذل في كنف جماعة الحوثي الانقلابية".
وجاء هجوم الأكاديمي الإماراتي على الميسري بعد متابعته لخبر نشرته وكالة سبوتناك الروسية، تضمن فيديو لتصريحات وزير الداخلية اليمني الذي هاجم السعودية والإمارات ودول التحالف العربي متهماً إياها بانتهاك الاتفاق مع الحكومة اليمينية بشأن التدخل في البلاد.
وكان الميسري في لقاء عدن التشاوري الأول، قال إن شراكة الحكومة اليمنية مع التحالف العربي "في الحرب على الحوثيين، وليست الشراكة في إدارة المناطق المحررة... اعتقد أن اتفاقنا مع التحالف العربي هو الزحف على الحوثيين باتجاه الشمال، وليس الزحف باتجاه الشرق".
وأكد الميسري في كلمته في اللقاء الذي انعقد يوم السبت، أن اليمن ما زالت دولة "ولذلك لا بد أن يناط بمؤسسات هذه الدولة إدارة كل المناطق المحررة" مهاجماً المجلس الانتقالي الذي تدعمه الإمارات وتحاول فرضه كممثل وحيد عن الجنوب وتساند مطالبه في الانفصال "من ذا الذي يتجرأ أن يقرر مصير أبنائي دون علمي.. عدن لن تستظل بمظلة قرية".
وخاطب الميسري دول التحالف العربي قائلاً "يجب أن يعلم الأشقاء في التحالف العربي أن هناك من رجالات الدولة من لديه الجرأة ليقول لهم إن السير معوج، ويجب أن يستقيم الحال"، مشيراً إلى أن المزايدات بالقضية الجنوبية ورفع شعاراتها في هذه المرحلة، لا تخدم أحداً بقدر ما يحاول بعض الرموز أن يحتكروا الجنوب "الجنوب ليس حكراً على أحد، ولا يجرؤ أبو أحد أن يقول إنه يملك صك الجنوب في جيبه ورثه من أبوه. الجنوب ملك لنا جميعاً".
ابتلاع الإمارات لليمن
تتحكم الإمارات بمؤسسات الدولة وكل جوانب الحياة في المناطق المحررة، بشكل مباشر، أو غير مباشر، عبر التشكيلات الأمنية والعسكرية التي انشأتها ودربتها وتمولها بشكل مستمر، وتنفذ عبرها سياساتها واجندتها الخاصة في اليمن.
وتدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يقوده محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، والوزير المقال والمحال للتحقيق هاني بن بريك.
وتدفع الإمارات بالمجلس الموالي لها والقوات التابعة لها، في مواجهة الحكومة الشرعية وقواتها، ووصل ذلك الدفع في بداية العام الماضي، إلى قيام القوات الموالية للإمارات باقتحام معسكر تابع للحماية الرئاسية، بعد مواجهات مسلحة استمرت أيام شاركت فيها طائرات يعتقد أنها إماراتية في مهاجمة القوات الموالية للرئيس هادي والحكومة المعترف بها.
ولم تكتفِ الإمارات بفرض سيطرتها العسكرية على معظم المناطق المحررة، فهي كما يقول المسؤولون في الحكومة تمنع عملية إعادة تصدير الغاز والنفط، وسيطرت قبل أشهر، قوات تابعة لها على ميناء بلحاف الذي يصدر عبره الغاز اليمني المسال، وجاء ذلك بعد ايام من خطوات حكومية تهدف لاستئناف تصدير الغاز والنفط.
وكما هو الحال في الملفات الاقتصادية الحساسة تمارس الامارات سياسة استفزازية في ما يتعلق بالموانئ اليمنية والمطارات، إذ تواصل سلطات الإمارات إغلاق مطار الريان في حضرموت للعام الرابع على التوالي، والذي حولته إلى مطار عسكري وقاعدة عسكرية خاصة بقواتها في المحافظة.
وإلى جانب ذلك تفرض الإمارات عبر قيادتها لقوات التحالف في عدن، قيوداً على حركة الطيران في مطار عدن الدولي، منها منع الطائرات التابعة للخطوط الجوية اليمنية (الحكومية) من المبيت في المطار، وأجبارها على المغادرة إلى مطارات في القرن الأفريقي.
ويوم أمس الأول، اتهم وزير النقل صالح الجبواني، التحالف العربي، بعرقلة ومنع عودة آلاف اليمنيين العالقين في الخارج، إلى أرض الوطن، وذلك برفض منح تصاريح لطيران اليمنية.
وقال الجبواني في تغريدة على حسابه بتوير، إنهم طالبوا التحالف العربي منذ "أسابيع بالتصريح لطائراتنا برحلات إضافية لنقل مواطنينا من الهند إلى بلادهم مع بداية الشهر الفضيل".
وأضاف الجبواني "طالبناهم ونكرر امنحونا التصاريح لنعيد الآلاف من مواطنينا إلى بلادهم".
وأشار إلى أن التحالف يمنح تصريحات للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أكثر مما يمنحه لطيران اليمنية التابع للحكومة اليمنية، "لدينا خمس رحلات يومياً تذهب للمنظمات الدولية".
ويتحكم التحالف العربي بالمجال الجوي والبحري والمنافذ اليمنية، منذ مارس/آذار 2015م.
ويفرض حظراً جوياً على حركة الطائرات في جميع مطارات اليمن، بما فيها المطارات المتواجدة في المناطق المحررة، والتي يشترط حصولها على تصاريح من قيادة قواته المشتركة في عدن.
إلى متى التغول الإماراتي في اليمن؟
تساءل وزير النقل في نهاية تغريدته قائلاً "ماذا بقي لنا يا تحالف الأشقاء".. إلى متى؟".
ويفتح السؤال في شقة الأول، المجال للكثير من الاجابات، يمكن أن توجز بالقول "لم يبق للحكومة والشرعية شيئ" مع استثناءات قليلة، لكنها الصورة العامة بأن التحالف هو المسيطر والمتحكم بكل الملفات في اليمن بدءً من الملف العسكري وانتهاءًً بالملف الاقتصادي والسياسي.
أما فيما يتعلق بالسؤال الأخير.. "إلى متى؟" فيتعلق الأمر بتصاعد الانتقادات والرفض الرسمي والشعبي للتغول الإماراتي الذي تصفه التقارير الأممية أنه بات يمثل أكبر تهديد للحكومة اليمنية ووجود الدولة من اساسها.
وتصاعدت في الآونة الأخيرة الدعوات لإنهاء التغول الإماراتي وتحكم سلطات أبوظبي في المشهد اليمني، وذهب محافظ المحويت الدكتور صالح سميع ومسؤولون أخرون في الدولة لمطالبة الرئيس في قبل عدة أشهر، بإصدار قرار ينهي به دور الإمارات ومشاركتها في التحالف العربي الذي تقوده في اليمن، والذي تعمل من خلاله على تنفيذ مخططات واجندة خاصة، بعيدة كل البعد عن أهداف التحالف ومعركة استعادة اليمن ومواجهة المشروع الإيراني في المنطقة.
وسبق أن طالبت الاحزاب السياسية المساندة للشرعية والممثلة في حكومة معين عبدالملك، بمراجعة علاقة التحالف بالحكومة، وإعادة بنائها على أسس تحترم فيها السيادة ومصالح الدولة اليمنية العليا.
وكانت صحيفة العربي الجديد، تحدثت مؤخراً عن أزمة جديدة بين الحكومة اليمنية والإمارات، ومحاولة الأخيرة دعوة رئيس الحكومة أكثر من مرة لزيارة أبو ظبي، قبل أن يتدخل الرئيس هادي ويصدر تعليماته بعدم السفر، والتي قالت إنها أزمة مستمرة منذ الحكومة السابقة ورئيسها احمد بن دغر، والتي وصلت إلى ذروتها بعد قيام الإمارات بنشر قوات عسكرية في ارخبيل سقطرى العام الماضي.
نقلا عن "المصدر أونلاين"