مصر مقبرة أحلام اللاجئين السودانيين: قتل وعنصرية واعتداءات جنسية
تعتبر مصر مقصداً لكثر من السودانيين الفارين من الحرب الأهلية أو الهاربين من بطش النظام الأمني إلا أن أرض الأحلام في مخيلة مئات آلاف اللاجئين ليست واقعية...
“كنت راجعة البيت ولقيت عمو مجدي نازل من سلالم عمارتنا، كان خايف ومرتبك وبيحاول يداري حاجة بين ملابسه وبيراقب الطريق، خفت أوي وجريت على شقتنا، أول ما فتحت الباب لقيت أخويا غرقان في دمه، وبيقولي عمو مجدي صاحب بابا ضربني وقاصد يقتلني”، كلمات كشفت بها شقيقة الطفل السوداني محمد حسن الذي قتل إثر 18 طعنة في أنحاء متفرقة في جسده، في منطقة 6 أكتوبر التابعة لمحافظة الجيزة، عن اللحظات الأخيرة في حياة شقيقها.
قُتل الطفل البالغ 13 سنة على يد رجل خمسيني تجمعه صداقة مع والده، إثر خلاف على مبلغ مالي يصل إلى آلاف الجنيهات، ولم يجد المتهم سبيلاً لتهديد الأب والانتقام منه إلا التخلص من حياة نجله.
الهجرة إلى أوروبا سبب الجريمة!
علاقة صداقة تجمع بين المتهم والأب، الأول يبحث عن مصدر للدخل والثاني يملك شبكة علاقات واسعة من الأصدقاء الذين يعملون في الخارج، يطلب الأول من الثاني أن يوفر له عملاً في إحدى الدول الأوروبية بمساعدة أحد أصدقائه، ويعطيه 50 ألف جنيه مصري (3200 دولار تقريباً) مقابل تنفيذ اتفاقهما. يماطل الأب السوداني في تنفيذ طلب المسن المصري، فيطلب الثاني من الأول رد أمواله ويستجيب ويسلمه 14 ألفاً فقط، وأمام مماطلة الأب نشب خلاف بين الطرفين نتج عنه تعدي والد الطفل على المتهم وإصابته في ساعده بسكين، فقرر المتهم الانتقام من والد الطفل وأحضر سكيناً وانتقم من الطفل عندما فشل في العثور على والده، وفقاً لنتائج تحقيقات النيابة العامة المصرية، التي قررت إحالة المتهم قاتل الطفل السوداني إلى محكمة الجنايات المختصة تمهيداً لمحاكمته.
الأمن يواجه انتفاضة اللاجئين
مقتل الطفل محمد حسن طعناً هز مجتمع اللاجئين السودانيين في مصر وتسبب في موجة غضب كبيرة، إضافة إلى حملة تضامن كبيرة مع أسرة القتيل. وتجمع عدد كبير من اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين في مصر أمام منزل القتيل لتقديم واجب العزاء والمشاركة في وداع الطفل القتيل إلى مثواه الأخير من جهة، والتنديد بالمخاطر والتهديدات المستمرة التي يتعرض لها السودانيون في مصر من جهة أخرى، غير أن أجهزة الأمن المصرية قررت فض تحرّك اللاجئين السودانيين بالقوة وألقت القبض على أعداد كبيرة منهم.
وفضت الشرطة المصرية تجمعاً سلمياً للاجئين السودانيين في مصر أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للمطالبة بالاقتصاص من الضحية، وتحسين إجرائات الحماية الخاصة بهم. وعلى رغم أن المحتجين لم يعطلوا حركة السير أو يمارسوا أي أعمال تخريب إلا أنهم فوجئوا بالشرطة تفض الوقفة بالقوة، وتوقف عدداً منهم، مستخدمة الهراوات وخراطيم المياه كما صادرت هواتف بعضهم، بخاصة الذين صوروا الوقفة، وذلك بعد 10 دقائق فقط من بدئها، وفقاً للاجئ السوداني أمير خالد مع “درج”.
مقتل الطفل محمد حسن طعناً هز مجتمع اللاجئين السودانيين، في مصر وتسبب في موجة غضب كبيرة.
وتدخلت الشرطة وفضت تجمعاً آخر أمام منزل الطفل في منطقة مساكن عثمان في مدينة 6 أكتوبر في محافظة الجيزة، حيث تجمع لاجئون سودانيون لتقديم واجب العزاء وانتظار استلام جثة الفقيد، إلا أنهم فوجئوا بفض قوات الأمن تجمع العزاء ومنع أي شخص من الوصول إلى المنزل وألقت القبض على بعض سكان المنطقة، وفحصت هواتف لاجئين بحثاً عن أي صور أو فيديوات لتجمعهم أو تعامل الشرطة معه.
القوة التي تعاملت بها الشرطة مع الواقعة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تضمنت حملة لفحص أوراق الإقامة الخاصة باللاجئين، وضبط الذين انتهت إقاماتهم أو لا يحملون أوراق إقامة، وفق خالد.
منظمة العفو الدولية
ذكرت “منظمة العفو الدولية”، أن قوات الشرطة المصرية احتجزت عشرات النشطاء بين اللاجئين السودانيين في مصر على خلفية الوقفة الاحتجاجية أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مشيرة إلى مصادرة هواتفهم جميعاً وتعرضهم للضرب على أيدي عناصر بأزياء مدنية داخل أقسام الشرطة، هددوا بسجنهم. كما حُقق مع المعتقلين وسئلوا عن الجهة التي تموّل الاحتجاجات، وزُعم وجود منظمات وراء تحرّكاهم، وحذرتهم (الشرطة) من تحدي “الدولة المصرية”. وأكدت المنظمة أن قوات أمن بملابس مدنية داهمت منازل 5 نشطاء سودانيين، في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، وتلقى 3 آخرون على الأقل، تهديدات هاتفية، قيل لهم خلالها إنهم سيُعتقلون أو يُرحلون، ما أجبر عدداً كبيراً من النشطاء على الاختباء.
وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة العفو الدولية”، في بيان للأخيرة، إنه “لا مبررات لقمع قوات الأمن المصرية الوحشي اللاجئين والمهاجرين السودانيين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بتحقيق العدالة في عملية قتل مروعة. إن الطريقة التي تهاجم بها قوات الأمن الأشخاص الذين يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي هي طريقة مشينة، ويجب أن تتوقف فوراً”.
وأشارت المنظمة إلى أن قوات الأمن المصرية قتلت ما لا يقل عن 27 متظاهراً سودانياً أمام مبنى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المهندسين في القاهرة الكبرى، عام 2005، لكن لم يُحاسب أي مسؤول على مقتلهم حتى الآن.
مصر… أرض الأحلام في مخيلة السودانيين
تعتبر مصر مقصداً لكثر من السودانيين الفارين من الحرب الأهلية أو الهاربين من بطش النظام الأمني السوداني أو الباحثين عن العلاج أو فرص عمل أفضل، علاوة على كونها محطة لجوء إلى أوروبا أو الدول المجاورة. غير أن أرض الأحلام في مخيلة مئات آلاف اللاجئين ليست واقعية، ففيها يعانون مشكلات كثيرة منها الاعتداء الجنسي والتمييز والعنصرية والعنف المستمر، علاوة على انعدام الأمن وسوء أوضاعهم المعيشية وعدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية وانتهاء إقاماتهم الرسمية داخل البلاد، وعدم امتلاكهم مصادر مناسبة للدخل.
لا يوجد إحصاء رسمي لعدد السودانيين المقيمين في المحروسة، لكن التقديرات تشير إلى أنهم أكثر من مليوني لاجئ يعيش معظمهم في محافظات الجيزة والقاهرة وأسوان، علماً أن اللاجئين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين أقل بكثير من الحقيقة. العام الماضي مثلاً تم تسجيل قرابة 50 ألف لاجئ لدى المفوضية، وهو رقم لا يعبّر عن واقع الأعداد المتزايدة عاماً تلو عام.
مطالب بتوفير الأمن والحماية
الناشط السوداني خالد أبو خليل، طالب الحكومة المصرية بالتوقف عن استخدام الحلول الأمنية في التعامل مع حالة الغضب الموجودة بين اللاجئين وطالبي اللجوء، وطالب بأن تسمح الحكومة لجريمة مفتل الطفل محمد حسن بأن تكون فرصة لفتح سبل للحوار، وإيجاد حلول عملية للمشكلات المتعلقة بالحماية والتقاضي التي يواجهها اللاجئون في مصر. وطلب أن تشمل الحكومة اللاجئين وطالبي اللجوء بالحماية وتوفير الأمن، “وإن كان الأمر صعباً، لتنقلنا الحكومة إلى مخيمات أو معسكرات لحمايتنا”.
وأضاف أبو خليل لـ”درج”، أن “منطقة مساكن عثمان موقع الحادث ومنطقة أبناء الجيزة في 6 أكتوبر من أشد المناطق خطراً على حياة اللاجئين السودانيين والأفارقة في مصر، فأطفالهم معرضون دائماً لخطر العنصرية والتحرش والتمييز والكراهية، “أطفالنا بيتضربوا وبيتحرشوا بيهم وبيشتموهم، إحنا بنخاف ننزلهم السوبر ماركت لشراء الأغراض”، مؤكداً أن العنصرية مستمرة ضد اللاجئين السودانيين في مصر.
لا يوجد إحصاء رسمي لعدد السودانيين المقيمين في المحروسة، لكن التقديرات تشير إلى أنهم أكثر من مليوني لاجئ.
وأشار إلى أن المفوضية لا تتدخل بأي طريقة أو شكل لإنقاذ اللاجئين السودانيين من البطش والمعاناة في الشارع، كما أنها صمتت ولم تحرك ساكناً أمام اعتقال قوات الأمن حوالى 80 لاجئاً خلال وقفة احتجاجية أمام مكتبها، فإن كان لا يمكن للاجئ السوداني أن يستفيد من خدمات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فما الحاجة لوجودها على أرض الواقع؟
واستنكرت اللاجئة كلثوم سوم الموقف المخزي لبلادها من الواقعة، إذ لم تتدخل بشكل مرضٍ للحفاظ على أرواح مواطنيها داخل مصر، كما تقول لـ”درج”. وقد أصدرت الخارجية السودانية بياناً قالت فيه إنها تتابع عن كثب حادث مقتل الطفل السوداني محمد حسن عبد الله محمد في القاهرة، إثر خلاف نشب بين والده ومواطن مصري، مطالبة مواطنيها في القاهرة بضبط النفس والسماح للسلطات المعنية بإكمال إجراءاتها في هذا الشأن.
حلايب وشلاتين بوابة عبور إلى مصر
المحامية فادية خضراوي تقول إن قرابة 75 في المئة من اللاجئين السودانيين الموجودين في مصر، يأتون بشكل غير شرعي من طريق التهريب عبر الصحراء الممتدة بين مصر والسودان، بخاصة من مثلث حلايب وشلاتين، وهو ما يترتب عليه عدم حمل كثر منهم أي أوراق ثبوتية، وبالتالي عدم حملهم إقامات أو بطاقات هوية، ما يعرضهم لخطر الترحيل في حال القبض عليهم.
وأضافت خضراوي لـ”درج”، أن اللاجئين الأفارقة عموماً وبخاصة السودانيون مقسمون إلى 3 فئات من حيث أوراقهم الثبوتية: الأولى من يدخلون عن طريق المطار وهؤلاء يحصلون على بطاقة لجوء من المفوضية (كارت أصفر) ثم البطاقة الزرقاء حتى يعاد توطينهم، والفئة الثانية تضم الذين يدخلون من طريق التهريب ويحملون جوازات سفر نظامية ويقدمونها إلى المفوضية ثم يتبعون الإجراءات السابقة ذاتها, وهناك فئة الذين يدخلون بالتهريب ولا يحملون جوازات سفر أو أوراقاً ثبوتية، وهذه هي الفئة الأصعب، وتقوم المفوضية بالتواصل مع بلادهم الأصلية للاستعلام عنهم، وترد السلطات بأن المواطنين المذكورين لم يغادروا البلاد وأنهم ما زالوا في الداخل، ويظلون في وضع معلق لفترات طويلة.
أوضاع معيشية حرجة
أشارت خضراوي إلى أن كثراً من اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين يعيشون في أوضاع اقتصادية متدنية بمصر، إذ يفتقر كثر منهم لمقومات الحياة الكريمة في ظل الضغوط الاقتصادية المتواصلة التي دفعت شريحة كبيرة من السودانيين إلى امتهان بعض الأعمال متدنية الدخل، كثيرة المشقة، في محاولة لتوفير ما يسد الرمق، وتجد كثر منهم يبيعون بعض المنتجات الشعبية كالحبوب والعطارة والمنتجات الجلدية والمستلزمات الطبية والإلكترونية، وتلجأ سيدات للعمل في تنظيف المنازل أو داخل مراكز تجميل نسائية وتصفيف الشعر.
اللاجئة السوادنية “منى م.” تعمل في منازل عدد من الأسر، تروي لـ”درج” مشكلات تواجهها داخل مصر، فالعنصرية ترافقها أينما ذهبت علاوة على سيل السب والشتائم المستمرة التي توجهها لها الأسر التي تعمل لديها، علاوة على طردها من العمل في المنازل ورفض أي أسرة استقبالها للعمل منذ انتشار جائحة “كورونا” ووصولها إلى مصر. وتشير إلى أنها تعرضت لحادث اعتداء جنسي ولم يسعفها أي شخص أو جهة، ذهبت إلى بعض المستشفيات وجميعها رفضت استقبالها، ورفضت المفوضية التدخل لحمايتها من الاعتداء وتوفير مسكن بديل لها، ونصحتها بتحرير محضر في قسم الشرطة، وهو ما فشلت فيه في النهاية أيضاً.
“كورونا” يضاعف المعاناة
معاناة اللاجئين السودانيين في مصر زادت مع إغلاق الحدود ووقف حركة الطيران، ضمن الإجراءات الاحترازية المتبعة لمواجهة وباء “كورونا”، إذ يمر في بال كثيرين حلم العودة بعد إسقاط نظام عمر البشير في نيسان/ أبريل العام الماضي، وفقاً للاجئ مهند حسين، الذي أكد لـ”درج” أن الحراك الشعبي منح كثيرين منهم فرصة جديدة للعودة إلى الوطن.