ثورة 14 أكتوبر.. تلاحم نضالي في مواجهة الإستعمار
تطل علينا الذكرى السابعة والخمسون لثورة 14 أكتوبر المجيدة، ضد المستعمر البريطاني الذي ظل جاثما على الجنوب قرابة 129 عامًا، في وجهه الإستعماري السلطوي الاستبدادي القبيح. والذي حرم الناس من أبسط حقوقهم، وأذاق الشعب من كؤوس الويل، ومنع عنهم أبسط حقوقهم، بل ومضى في تقسيم البلاد إلى دويلات ومشيخات في إطار فرز مجتمعي نتن، كل تلك وغيرها ارهاصات عانى منها الشعب في الشطر الجنوبي، حتى فاض الكيل، وبدأ التفكير جيدا في طرد هذا المستعمر، والتي كانت شرارتها التي أشعلت لهيب الثورة من ردفان في ال 14 من اكتوبر 1963م، بقيادة راجح غالب لبوزة، وفيما بعد استمرت الثورة في نضالها المسلح وتلاحمها الوطني الكبير، حتى طرد المستعمر وخروج اخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967م، ونال جنوب اليمن حق الاستقلال الكامل.
لم تكن ثورة 14 أكتوبر الا تجسيدًا حقيقيًا لنضال شعب الجنوب بالتوازي مع نضالات أبناء الشمال وهم يخوضون معركتهم ضد الإستبداد الامامي، في تعاضد وتماسك كبيرين للخلاص من الاستبداد والاستعمار..
لقد راهن الإستعمار البريطاني على التشظي الذي أحدثه في مكونات المجتمع، والإطباق الحديدي على الشعب، والتجهيل والإفقار المتعمد، كخيار بقاء له في خاصرة اليمن الجنوبي، لكن ذلك تحطم على إرادة من فولاذ لهذا الشعب التائق الى التحرر وفك قيود الاستعمار، وكانت ثورة 14 أكتوبر هي نتاج لجهد كبير ونضال متعدد لأطياف المجتمع، في ملحمة بطولية نضالية واحدة، انتفض فيها كل الجنوب من الضالع الى يافع ولحج وأبين والصبيحة وبيحان والعوالق وحضرموت والمهرة وعدن، وتشكلت الحركات الطلابية المناهضة للاستعمار، والتنظيمات السرية التي اختارت الكفاح المسلح كخيار وحيد لطرد الاستعمار، علاوة على العمل السياسي الذي رافق هذه الفترة من خلال عقد مؤتمرات انعقدت في شطر اليمن الشمالي للترتيب الانطلاق الثورة، وتأسيس "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل"، بالتوازي مع العمل العسكري والتمرد المسلح والقيام بأعمال منقطعة هنا وهناك ضد الاستعمار، الذي رد عليها بجنون وقصف بطيرانه المدنيين.
حتى كانت الشرارة في 14 أكتوبر 1963، والذي خاض فيه الشعب معركة وجودية ومصيرية لطرد الاحتلال استمرت لأربع سنوات، مثل أعلى ذروة سنام التلاحم الوطني، والالتفاف الشعبي الكبير، في كفاحه المثخن ضد الاستعمار، واعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب جنوب اليمن، واشتد الخناق على البريطانيين، وناخت صنميتها وأسطورتها "الدولة العظمى التي لا تغرب عنها الشمس" حين أعلن وزير خارجيتها آنذاك" جورج براون": أن بلاده ستمنح الاستقلال لجنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967م، وهو ما تم فعلا، ونال شطر اليمن الجنوبي استقلاله.
إذن نحن أمام عمل أسطوري كبير، يحب أن يخلد في ذاكرة الأيام، وهو يروي ملحمة بطولية جسدها أبناء اليمن الجنوبي الميامين في سبيل الحرية والكرامة، ووقفوا في وجه اقوى دولة حينها، حتى تحقق النصر. وهو ما يكون ملهما للأجيال المتعاقبة بان هذا الشعب لا يهزم أمام أي قوة كانت، وانه لا يقبل أي مساس بكرامته أو مصادرة حقوقه مهما طال الزمن أو قصر.
الخلود للشهداء الذي سطروا بدمائهم على صفحات التاريخ أبهى معاني العزة والكرامة، ورسموا لنا لوحة زاكية من التضحية والفداء في سبيل التحرر والانعتاق. والتحية لكل الأبطال الذين يقفون على الثغور في ميادين العزة والكرامة، ضد الكهنوتية الإمامية الاستبدادية بنسختها الحوثية المدعومة من ايران، والتي تحاول أن تعيد اليمن إلى مربع الجهل والظلم والتخلف والفيد، وتحوله إلى ولاية ايرانية في خاصرة الوطن العربي..
وهنا انتهز الفرصة لأعبر عن خالص التهاني لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، ولكافة الشعب اليمني، بهذه المناسبة الخالدة.
*وزير الأوقاف والإرشاد
*نقلا عن موقع الثورة نت