عن الهدنة التي بلا ملامح
عن الهدنة التي بلا ملامح
بقلم/ عبدالله المنيفي
يوم إثر يوم، تتعزز قناعة لدى قطاع كبير بأن الهدنة الأممية محطة تكشفت عندها كثير من الأمور سواء لدى المجتمع الدولي، أو لدى الحكومة اليمنية، وكذا مليشيا الحوثي.
فالأمم المتحدة ظهرت عاجزة حتى عن فرض بنود الهدنة على الحوثيين، من جهة بسبب تعنت الحوثيين واستمرارهم في نهج الاستخفاف ورغبتهم في اظهار انفسهم بمظهر المتصلب، ومن جهة أخرى بسبب تعاطي الحكومة الايجابي (يراه البعض سلبيا) مع ما يطلب منها لإنجاح الهدنة، بغض النظر عن المكاسب والخسائر.
يرى الرئيس الأمريكي بايدن ان مجرد فرض الهدنة نجاح لإدارته، وأن استمرارها على هذا المنوال الهش يضيف له نجاحاً، وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً.
ما يدعو إلى السخرية أن طموح القوى الدولية توقف عند نصف هدنة، وجعل مستقبل اليمن نهش لمليشيات تعمل بوضوح لصالح النظام الإيراني، وتمارس العنف والارهاب بكل صورة وأشكاله، وهو ما يثير تساؤل على نحو: هل باتت المنظمة الدولية والقوى الكبرى مظلات لتمدد الأقليات التي تمارس العنف منهجاً وسلوكاً وتجرف الدولة الوطنية، ما دامت تتيح المجال لتغول هذه القوى وتحقيق ما عجزت عن تحقيقه مع وجود الدولة الوطنية والاستقرار؟ هذا السؤال يتردد لدى السياسيين كما يتردد لدى رجل الشارع سواءً بسواء.
يعزز هذا التساؤل استمرار العنف الحوثي (عنف فكري ومادي) ضد اليمنيين في الجبهات وحتى في مناكق سيطرة المليشيا، بل وتصاعده وظهوره بصور جديدة ليس أولها ما يسمونه يوم الولاية الذي ينسف القيم الإنسانية والحقوق والدولة والحريات وكل القيم، وصولاً إلى ما جريمة حصار وقصف بالأسلحة الثقيلة وبطش بحق أهالي قرية في مناطق سيطرة الحوثيين بمبررات لا تختلف عن مبرراتهم في الاعتداء الحوثي على قبائل صعدة الرافضة للتمرد مطلع الألفية.
مليشيا الحوثي مستمرة في أسلوبها في التعامل مع الاتفاقات والهدن منذ أول حرب تمرد في خريف ٢٠٠٤، فهي تتعامل مع الهدنة حين تكون في صالحها، وتخرقها متى ما تطلب ذلك، دون اي التفات لأي التزام أخلاقي أو أدبي، وفي حال استغلال الهدنة، تتجه إلى سياسية العقاب الجماعي الفئوي، سواء لقبائل رفضت المليشيا، أو حتى لم تتقبل نهجها وممارساتها، وأحيانا لمجرد العقاب وارهاب المجتمع لإخضاعه أو لإخضاع بقية المجتمعات، وهذا يحدث للأسف في ظل تخاذل الشرعية وتغاظي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
فيما يخص الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي والحكومة، فإن ما أبدته من مرونة وقدمته من تنازلا وصل إلى مرحلة أثارت سخط الشارع اليمني، الذي رأى في هذه المرونة منح المليشيا الحوثية مكاسب ما كانت تحلم بها لولا الهدنة الأممية.
هذه الهدنة تشبه سكينا أحد جوانبها حاداً يقطع بعزم، والآخر لين، فحين يتعلق الأمر بميناء الحديدة ومطار صنعاء تعمل الأمم المتحدة بجدية لتنفذ بنود الهدنة، ثم تكون لينة حين يتعلق الأمر بفك حصار تعز الذي لم يتحقق منذ نحو ٤ أشهر.
نتفهم أن الشرعية اليمنية وقيادتها تتعامل مع كل الجهود الدولية بإيجابية وبمنطق الدولة، وأن مليشيا الحوثي دأبها سلوك العصابات التي تجردت من السلوك الإنساني السوي، لكن لا يمكن بأي حال تفهم سلوك الأمم المتحدة ومبعوثها والمجتمع الدولي في تدليل مليشيات متمردة متصلبة، تتنصل من التزاماتها، وحتى ان عدد من قياداتها يعلن بوضوح أن الأمم المتحدة ومواثيقها تحت قدميه، وفي المقابل تستخدم الأمم المتحدة الضغط على سلطات شرعية تحترم المواثيق الدولة وتفي بالتزاماتها وأكثر.
أكتب هذا بينما هناك 11 طفلاً مضرجون بدمائهم مع مدنيين آخرين في قصف اقترفته مليشيا الحوثي على حي الروضة في مدينة تعز، تاركين أحذيتهم الملطخة بالدماء في مسرح الجريمة علّ رعاة الهدنة الأممية يعيدون تقييم أدائهم في التعامل مع مليشيات تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
هذا الإصرار الحوثي على العنف قد يكون ترجمة لأحد كهنة الجماعة الذي هدد غير بعيد بتحويل طرقات تعز إلى مقابر بدلاً من فتحها، لكن من يترجم للأمم المتحدة والمجتمع الدولي أدائهم المخزي.