#قهوة_سياسية هدنه_شعبية_لإلتقاط_الانفاس

توفيق الحميدي
توفيق الحميدي
2022/08/20 الساعة 08:41 مساءً


هذا العنوان هو عنوان رواية كتبها جورج اورويل ، حيث تتشابه ظروف الرجل الذي عاش صراع بين الحنين الى الماضي والتقدم الى المستقبل ، ورغم أن الرواية تتحدث عن رجل عاش قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وعاش هذه الصراع بين الماضي والمستقبل ، إلا اننا اليمنين يبرز هذا الصراع في اتون حرب مضى على اشتعالها ثمان سنوات ، وفتحت متاهات لا نهاية لها ، تتقاطع مصالح الاطراف في دهاليزها ، وضحاياها يمنين ، ثمان سنوات حولت اليمنين الى جيش فارغ بالأجرة، تكاثرت الميلشيات بعدد الاطراف الممولة، بل قضى هذا التمويل على ما تبقى من شرعية دستورية، وفكت عرى الدولة الدستورية، لتشكل صيغة سياسية جديدة لاعلاقة لها بالدستور والشعب، لا حل في الأفق، بل الاوضاع تزداد سوء، إلى انقسام نفسي وجغرافي.
وسط هذه الفوضى الممنهجة والتي لا يبدو انها عفوية، يجب على اليمنيين ان يأخذوا هدنه لالتقاط انفاسهم، والتفكير فيها بتجرد، هدنه بعيده عن الانقسام، التخندق، والشحن الإعلامي، هدنه للاستماع لصوت العقل وخلجات الروح، واستفتاء القلب، وأنين الوطن الجريح، واوجاع الضحايا، هناك فوضي كبيره، لا احد ينكرها او يتجاهلها، وهناك مستقبل يشوه ويزاد تخريبا بيد ابناءه، ولا طريق لإنقاذ ما يمكن انقاذه الا وفق مقولة "ماحك جلدك غير ظفرك فتولي انت جميع امرك"، وهذا بحاجة الى هدوء نفسي، وتجرد حقيقي، ومراجعة شاملة، ونقد عميق وصادق، وإثارة الاسئلة المصيرية، وهذا يقتضي توفير مناخ بعيد عن التوتر الحالي.
نريد يلتقي اليمنيون ويتحاوروا ، و يتفاكروا  بعيداً عن اضواء الاعلام، دون اجنده محدده، في كل شيء الماضي والحاضر والمستقبل، دون توجيه طرف خارجي او الاحساس بالرقابة الخارجية، لقاء خاص واستثنائي، ننظر لعيون بعضنا، نشعر بالأنفاس المتلاحقة، دفء اليمني لليمني، نجعل من الفضاء الالكتروني فرصة للقاء، كما كان نافذه للخصام والشقاق والتخوين و التفاهة، لماذا غادرنا هذا الفضاء احتله التافهين، ينفثون سمومهم، لقد تجاوب العديد من اليمنيين المنتمين الى تيارات مختلفة الى جلسات حوار مسبقة دعوا إليها من قبل مؤسسات وشخصيات.
-مشكلتنا اليوم ان ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا مختطف، هناك من يسعي لتحريف الماضي، وفرض الوصاية على حاضرنا باعتبارنا سفهاء في تبذير فرصنا الجغرافية والسياسية، ويرسم مستقبلنا كأطفال كل همهم حليب لملء بطونهم ومأوى يحميهم من خوف الليل عاتيات الدهر، نريد أولاً أن نستعيد هذه الثلاثية، ونضعها في سياقها الطبيعي، دون تضخيم او احتقار، لم يعد الماضي اكثر من انتاج حضارة عميقة ويشكل جزء من هويتنا في هذه الأرض، لكنه من الصعب ان يكون هو المستقبل، والحاضر هو نحن وحاصل ادارتنا معطياتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية،  لا شيء آتي من خارج فاعليتنا "قل هو من عند انفسكم" ولذا المتحكمون بالحاضر لا يريدون منا تشريح هذه الحاضر، والاشارة لمواطن الوجع وتحمل كل طرف مسؤوليته فيما حل بنا، هناك سياسة رمي القذى نحو طرف واحد ومحاولة تجريمه وكفى، دون قدرة على وضع مسافة بين السبب والنتيجة، وهذا هو منهج التدمير الذاتي للقوى اليمنية واليمن من قبل القوى الاقليمية والدولية، اما المستقبل هو الحاضر الذي نتوافق عليه، وآفاق الفكرة الوطنية التي صغناها، لا مستقبل بدون هندسة اجتماعية وسياسية ترضي الجميع وتدفعهم للمنافسة والتسابق على تقديم أجمل وأجود ما لدينا لما أمنا ان نكون، هذه الثلاثيات هي اساس ومداميك اي مشروع وطني قادم.
مشكلتنا كيمنيين عدم ضبط هذه العلاقة مع مفردات حياتنا، الحياة لم تكن الاساس الذي نعمل عليه، ونتحاور من أجله، حتى الدين الذي أتى  لا صلاح الحياة، لم يكن سوى مركب يسير للخلف أو سيف يقودنا الى الموت، سُرقت الدولة مايسترو ايقاع موسيقى الحياة، وحل بها الفساد والمحسوبية والظلم، وصفقنا كثيراً لمن يمنحنا فتات مما يحيياه، الحياة التي اعنيها تلك التي تنبض بها الروح، حياة الارض المعطاءة، والروابط الاجتماعية التي تحن للإنسان، والجغرافيا التي تمنحنا القوة، والتاريخ الذي يثبت اقدامنا في مواجهة الصراع الثقافي الحضاري، الابداع الذي لا يعترف بالحدود، السرور الذي يدب في الأعياد والزواج والحفلات ويملأ الحياة صخبا في الشارع والزقاق والميادين، الحياة التي تقدس عطاءنا وفكرنا وتعاوننا وقيمتنا الإنسانية، لقد سرقت حياتنا واختزلت في اسرة، وشركة، وتبه، وموكب، نريد ان نعيدها نؤطر حقوقها، نقدس معانيها ونجرم من يتعدى عليها.
ليأخذ كل يمني نفساً بعيد عن البندقية، وسيجد كل من يقرأ منطق الاخ هنا، إلا من استهوته شياطين المال والتبعية، من باع نفسه أولا وشرفه أما الوطن فوق البيع والمزايدة، لم يخذلوا سوى انفسهم وقيمهم، وسيبقى الوطن وكل ذره جسد انتمت اليه بصدق حيه لا تقبل الفناء

*من صفحة الكاتب على الفيس بوك