الرئيسية - تقارير - 14 أكتوبر.. 59 عاماً على شرارة ثورة اليمنيين ضد الاحتلال والتقسيم

14 أكتوبر.. 59 عاماً على شرارة ثورة اليمنيين ضد الاحتلال والتقسيم

الساعة 08:28 مساءً (المهرة اونلاين: متابعات/الصحوة نت)

في 14 أكتوبر/ تشرين أول 1963 كان اليمنيون في المحافظات الجنوبية على موعد مع طرد المحتل البريطاني، في معركة وجودية لإنهاء أكثر من قرن على الاحتلال وإنهاء حقبة الاستعمار، وكانت الوحدة الوطنية هي أبرز أهداف الثوار الذين انطلقوا من جبال ردفان.
وتمت الثورة ضد المستعمر في تنسيق يمني مشترك بإسناد من الجمهورية العربية اليمنية الوليدة قبل عام فقط وتحديدا في 26 سبتمبر/ أيلول 1962، حيث قامت الثورة اليمنية المجيدة ضد الإمامة والكهنوت، وكانت معجزة 14 اكتوبر، هو توحيد عشرات السلطنات تحت راية دولة واحدة، تبحث هدفها الأكبر في الوحدة اليمنية.
كعادة المحتل في كل البلدان، فإنه يتغذى من الانقسامات والتفكيك في الكيان الوطني الواحد، وهذا ما مارسه الاحتلال خلال نحو 12 عقداً وبضعة سنوات في المحافظات الجنوبية، في تغذية الصراعات الصغيرة بين السلاطين الذين كانوا عبارة عن سلطات مشيخية قبلية تحكم على أساس قبلي ومناطقي، وعلى هذا تعادي وتخوض الحروب.  
بعد 59 عاماً من الثورة ضد المستعمر البريطاني، تعود أهم أهدافها للانتكاسة مجدداً بدعوات التمزيق التي أصبحت أكثر حضورا مع الحرب الجارية في البلاد، وهذه الصيغة الجديدة التي يراد إعادة رسمها، إلا أن أبناء المحافظات الجنوبية فطنوا ذلك عن أجدادهم وأباءهم الذين عاصروا الاستعمار وكافحوه وطردوه من البلاد.


الاستعمار والثورة
انطلقت ثورة 14 أكتوبر من جبال ردفان، بقيادة راجح بن غالب لبوزة، الذي استشهد مع مغيب شمس ذلك اليوم، وشنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة في مناطق ردفان (تتبع إدارياً محافظة لحج) استمرت لأشهر ضربت خلالها القرى بمختلف أنواع الأسلحة، واتّبعت سياسة "الأرض المحروقة".
واندلعت الثورة بعد 124 عاماً من الاحتلال، حيث سيطر البريطانيون على عدن عام 1839، واستمرت الثورة والكفاح المسلح أربع سنوات في غالبية المحافظات الجنوبية عبر عمليات فدائية مسلحة للجبهة القومية وجبهة التحرير، والتي كانت تدير غالبية عملياتها في المحافظات الشمالية.
في منتصف القرن الماضي كان التحرر من الاحتلال هو الطاغي في الوطن العربي، بدءً من مصر في عام 1952، ومعها صعد نجم جمال عبد الناصر كزعيم عربي يناهض الاحتلال، وكان لخطاباته جماهيرية واسعة وصلت إلى جنوب اليمن ولامست مشاعر غضبهم جراء ممارسات المحتل، وظهرت حركات مقاومة مثل جبهة التحرير القومية المدعومة من المصريين وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل.
ومنذ اندلاع الثورة استمرت الحركة المسلحة أربع سنوات تنفذ عمليات فدائية وتهاجم القوات البريطانية في عدد من المدن، في تشكيلات مسلحة حتى أجبرت القوات البريطانية على الخروج وغادر آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر/ تشرين ثاني 1967، وتم اعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.


واحدية المصير اليمني
كانت "الوحدة" هي أهم أهداف ثورة 14 أكتوبر وفي المرتبة الثالثة للفعل الثوري، بعد القضاء على الاحتلال، والخلاص من حكم السلاطين والعملاء، ومن ثم إعادة وحدة الجنوب، فيما سمي حينها بإعادة توحيد الكيانات العربية الجنوبية سيراً نحو الوحدة العربية والإسلامية على أسس شعبية وسلمية، ومن ثم اقامة عدالة اجتماعية.
كان الثوار يدركون حينها خطورة أهداف المستعمر في عملية التفكيك ودعم السلاطين لإذكاء الصراعات المناطقية والقبلية، ليبقى هو الأقوى يمارس سلطته ويمزق البلاد، ومازالت آثار الاستعمار باقية الى الآن في الجنوب في مشاريع التفكيك ودعوات الانفصال والتمزيق، والتي عادة ما تغذيها أجندة خارجية، لأهدافها الخاصة في إبقاء الصراع والتحكم بالثروات السيادية.
وكانت واحدية المصير والنضال الوطني تتعزز في اليمن كله ضد المستعمر شمالاً وجنوباً، ففي 24 فبراير/ شباط 1963، - أي قبل اندلاع الثورة بثمانية أشهر - عقد في صنعاء مؤتمر "القوى الوطنية اليمنية" من أجل توحيد جميع القوى، لحماية النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة سبتمبر، وتحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الأجنبي.
ولهذا الهدف كان اعتداء المحتل يشمل كل اليمن، ففي 3 أبريل 1964، شنت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً عدوانياً على قلعة حريب في مأرب (شمال اليمن)، في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي تشن من أراضيها، وفي 19 يونيو 1965 حظرت سلطات الاحتلال البريطاني نشاط الجبهة القومية في جنوب اليمن واعتبرتها حركة إرهابية، وقامت بإبعاد 245 مواطناً من شمال اليمن.
ويرى السياسي اليمني عبد الله باذيب "أن ثورة 14 أكتوبر كانت نتيجة طبيعية لتطور حركة التحرر الوطنية في الجنوب اليمني، واستمراراً للنمو اللاحق للثورة في الشمال، وجزء من الثورة العربية العامة الموجهة ضد الاستعمار، وقد وضع الأحرار في جنوب اليمن مهمة الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في الشمال على عاتقهم كون أن الأرض واحدة إضافةً إلى أن الثورة المُسلحة في الجنوب دون تغيير الأوضاع في الشمال عبارة عن مُغامرةـ (كتابات مختارة - بيروت: دار الفارابي 1978).


التقسيم والاقتصاد كهدف للمحتل
خلال عقود الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن كان التقسيم والنزعات الانفصالية والمناطقية، جوهر السياسة الاستعمارية التي جرى تطبيقها، فكانت بذلك تعزز بقاءها في مدينة عدن للتحكم الاقتصادي بأحد أهم الموانئ في العالم، وكان يضمن مصالحها الاقتصادية.
ومن هنا تعد عبقرية ثورة 14 أكتوبر المجيدة حيث استطاعت توحيد 23 سلطنة ومشيخة وإمارة في جنوب اليمن، ضمن الهدف الأكبر بإعادة هوية الجنوب اليمني كدولة قوية موحدة تستطيع أن تحقق الإنجاز الوطني الأكبر في الوحدة اليمنية، والتي كانت هدفاً جوهرياً للسياسيين والثوار في الجنوب والشمال عقب ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
ويرى الكاتب حمزة المقالح "أن ثورة ١٤ اكتوبر المجيدة صنعت الاستقلال لشطر الوطني الجنوبي بطرد المحتل البريطاني وأنجزت أهم خطوة في طريق وحدة التراب اليمني بعد أن كان الشطر الجنوبي ممزقا بين عشرات الإمارات والسلطنات والمشيخيات".
بالإضافة الى التقسيم في الجنوب، كان الاحتلال يسعي لتحقيق أهداف ومصالح اقتصادية في السيطرة على الموانئ وإعطاء اليمنيين الفتات، وعلى عكس ما يروج له أن الاحتلال البريطاني أحدث تطور عمراني واقتصادي، فغالبية الروايات التاريخية تتحدث عن عملية ممنهجة لتدمير الاقتصاد المحلي الطبيعي التي كان جنوب اليمن يتمتع به.
وكان الاعمار في عدن هو واجهة للاحتلال في المدينة التي كانت مركز اقتصادي وكان الاعمار استثمار لصالح المستعمر لاستقبال رجال الاعمال، ولم يكن ذلك الاعمار متوفر في المدن الجنوبية الأخرى حتى ولو بشكل جزئي -والتي كانت أكبر مساحة- ولم تلقى أي اهتمام عمراني، واقتصر ذلك في عدن فقط.
بل زاد على ذلك الاحتلال في تدمير لاقتصاد الطبيعي (الثروة السمكية والحيوانية والزراعية) وأصبحت البلاد، سوقاً لمنتجات الشركات الاحتكارية الأجنبية، واقتصر اهتمام المستعمر على تطوير الجوانب الخدمية، كالتسهيلات التجارية والمالية، على حساب نمو الصناعة والزراعة، مما أوجد في بلادنا اقتصاداً مشوهاً وحيد الجانب ذا طابع طُفيلي.


الحرب وإعادة الجنوب إلى ما قبل 14 أكتوبر
في الذكرى 59 لثورة 14 أكتوبر، أعادت الحرب المستمرة للعام الثامن على التوالي، تلك الظروف التي عاشتها اليمن في منتصف القرن الماضي، انها العملية الأبشع لتزوير إرادة اليمنيين وهويتهم التاريخية في التمسك بالوحدة الوطنية، ورفض التفريخ للبلاد بكيانات ذات أهداف فئوية مناطقية وطائفية.
وعملاً بذات النهج الاستعماري القديم للبريطانيين، يراد إعادة النزعات الاستقلالية في كل محافظة على حدة من خلال إعطائها حكماً ذاتياً وفصلها عن محيطها إداريا وعسكريا في إحلال ميلشيات ودعمها بمسميات وأهداف مناطقية، خدمة لأجندات خارجية تهدف للسيطرة والاستحواذ على الممرات والموانئ الجزر الاستراتيجية التي تكتسب أهمية دولية.
خلال عقود الاستعمار خلق المحتل هويات صغيرة ودعم حكم السلطنات المشيخية والتي كانت هي القائم بأعمال المحتل كسلطات محلية معززه بالمال والقوة الخارجية، ربما يعود اليوم في صورة تشكيلات وتسميات تعزز الانتماءات المناطقية، وتعيد تلك الصراعات الاقتتال الداخلي إلى الواجهة بذات المعطيات التي استخدمها الاستعمار.
ففي الوقت الذي رفض الثوار تسمية البريطانيين أثناء مفاوضات الاستقلال "الجنوب العربي"، وأصر القائد الجنوبي حينها قحطان الشعبي على تسمية "جنوب اليمن"، يعاد استخدام ذات التسمية من دعاة الانفصال والحكم الذاتي المدعومين من الخارج، إنها دورة التاريخ الى الوراء بأدوات بلا مشروع وطني وليسوا إلا بيادق.
ورغم كل التحشيد اللامنطقي الذي تصاعد خلال الحرب ضد الوحدة اليمنية 22 مايو/ آيار 1990، إلا أنها كانت تتويجاً لنضالات اليمنيين في الشمال الجنوب منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر، واستكمال لأهدافهما المشتركة ضد الإمامة والاستعمار، ورغم كل التجاوزات والأخطاء لكن التقسيم لم يكن حلاً لتطور الشعوب وبناء الحضارات، إنها الانتكاسة الأسوأ في تأريخ الأمم والشعوب.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص